العقيد م. محمد بن فراج الشهري
الدول الاستعمارية لا تريد إطلاقاً الاستقرار للدول العربية أبدًا، فحينما تهدأ الأمور في بلد يسعون لإشعال الفتن في بلد آخر، ولا يهمهم لمّ الشمل العربي لأن ذلك سيعزل شيطانهم في مربطه، هذه الدول أشعلت الحرب في ليبيا وسعت لإيجاد جيشين في دولة واحدة، كذلك الحال في لبنان، أيضاً المشهد رأيناه في اليمن وعندما رأت أن الأمور بدأت في التحسن قليلاً قامت بإشعال الفتنة في السودان، ولا يمكن أن تظهر فتنة في بلد عربي إلا ونجد الأصابع القذرة هذه تمتد إليها بل هي أساس إشعالها... ولم يعد خافياً على أحد ما تقوم به هذه الدول من ألاعيب، وخبث، ومكر سياسي إذ إن السوشيل ميديا، والإعلام الجديد فضح كل مؤامرات هذه الدول ولم يعد أحد في العالم مغيباً عن الأحداث كما كان في الماضي.. وما يجري الآن من أحداث هو امتداد لمحاولات إعادة صياغة وتشكيل المنطقتين العربية، والإفريقية، بما يخدم أهداف ومصالح الدول الاستعمارية، وهذه نزعةٌ متأصلة في الوجدان الاستعماري، والحالة السودانية وما تطرحه من تنافس دولي واضح، وتمثل صورة مصغرة للمشهد الإفريقي العام في عصر الهيمنة الاستعمارية، ومن المهم تفّهم الدوافع الحقيقية لحرب السودان المعاصرة، والتي أدت إلى الأزمة الهيكلية التي يعانيها السودان منذ الاستقلال متخذة شكل حروب مدمرة في مناطق شاسعة في الجنوب، والغرب، والشرق، وجاء فشل مشروع الدولة الوطنية بعد الاستقلال، وعدم قدرته على تحقيق الاندماج القومي، وكذلك العوامل الاقتصادية، وتقسيم الثروة والموارد في البلاد، فضلاً عن دور التغيير الخارجي في دعم أطراف الصراع، والتدخل في تفاعلاته المختلفة، لتُشكّل كُلها المتغيرات الأهم في دوافع حالة الحرب في السودان، وتتباين مواقف الدول الإقليمية، والدولية من القضايا السودانية على حسب أهدافها وإستراتيجيتها، فثم اهتمام بتلك القضايا من مؤسسات العمل الإفريقي المشترك، ودول الجوار، والدول الأوروبية التي تُعد الشريك التجاري للسودان، والدور الصيني الذي يحاول التخفيف من غلواء الضغوط الغربية في السودان، حفاظاً على مصالحه بالسودان، إضافة للدور الأمريكي البارز، والمنطلق مما تمثله المنطقة من أهمية خاصة في الاستراتيجية الأمريكية في تدخلاتها في المنطقة بشكل عام، فضلاً عن ثروات المنطقة المتعددة، وعكست قرارات مجلس الأمن الرؤية الأمريكية البريطانية والتي تسعى لإعادة هندسة المنطقة من الناحية الجيوبولتيكية، با يحقق لها أهدافها، ومصالحها التوسعية، ويبدو أن مستقبل التناحر والحروب السودانية لا يخرج عن واحد من سيناريوهات ثلاثة: فإما التركيب القائم على معايير الانتماء الجغرافي بعيداً عن الهوية الدينية، وإمّا تفكيك وتقسيم السودان إلى مجموعة من الكيانات ذات ارتباطات إقليمية مختلفة، وإمّا إعادة الفك والتركيب معاً.
إن الدعوة إلى التمسك بالذات الحضارية للأمة العربية بتراثها الثقافي والإسلامي تمثل المدخل الصحيح لهذه المواجهة التي يقودها المستعمر والأصابع القذرة التي تمتد للسودان حالياً تحت ذرائع، ومسميات شتى، تستبطن في جوهرها العداء الدفين للعرب والمسلمين، يعني ذلك أن يكون حديث النهضة هو شاغل الأمة ويجب على السودانيين أنفسهم أن يدركوا الألاعيب غير الخفية الساعية إلى تفتيت السودان وجعله بؤرة صراع مشتعلة تأكل الأخضر واليابس، والشعب السوداني وحده هو من يستطيع أن يعيد الأمور إلى نصابها بعد معاناة طويلة لهذا الشعب الذي نهبت ثرواته، وعاش فقيراً وهو غني... كل ما نرجوه أن يتعقل أطراف النزاع ويدركون من هي الأصابع التي تلعب في الخفاء طالما أنهم أحرار وأبناء أحرار يغارون على سمعة بلدهم، وشعبه، ومستقبله، وعلى السودانيين أن يتذكروا بأن التاريخ لا يرحم وسيظهر كل شيء على حقيقته.. حفظ الله السودان، وشعبه من شر كيد الكائدين، والعابثين، والطامعين.