د.عبدالله بن موسى الطاير
منطقة الشرق الأوسط جاذبة للمخططات والمؤامرات والخدمات والمنتجات، فهي سوق رئيسة تستهلك كل ما ينتج من مؤامرات، وسلع من الرصاصة إلى الطائرة. الهدف النهائي للتنمية هو رفاه الشعوب المستند إلى الأمن والاستقرار. وفي حال الشرق الأوسط فإن معاناته تحقق رفاهية غيره. الدراسات الاستهلاكية والمستقبلية تجد فينا مادة مثيرة للدراسة والنبوءات، ولا أتصور هيلمان الغرب بدون شرق أوسط نازف في كل الفصول.
منذ نهاية 2001م بدأ العمل الفعلي لتقسيم دوله إلى دويلات على أسس عرقية وطائفية، ودافع ذلك إنصاف الأقليات، وتصحيح الأخطاء التي ارتكبها البريطاني ماركس سايكس والفرنسي فرانسوا جورج بيكو اللذان وزعا مناطق نفوذ أوروبا في الشرق الأوسط دون مراعاة لمصالح المنتصر القادم من وراء المحيط، حيث عابت أمريكا على سياكس بيكو عدم إنصاف الأقليات العرقية والطائفية في توزيع حدود الشرق الأوسط.
عام 2006م ولدت أول خريطة للشرق الأوسط برؤية أمريكية مصاحبة لمقالة كتبها الجنرال المتقاعد رالف بيترز في مجلة القوات المسلحة الأمريكية، لتأتي بعد مخاض استغرق نحو 5 سنوات. عندما تم تداول ملامح الجنين الأولى أواخر 2001 بدا وكأن المخطط ضرب من الخيال غير القابل للتطبيق، أخذا في الاعتبار حال الدول العربية حينئذ. عرضت ما كان يدور خلف الكواليس على صديقٍ في موقع مسؤوليةٍ فسخر مني، ولما ظهرت الخريطة حملتها إليه وقلت له: بالأمس سخرت مني، وقد أسخر اليوم منك.
إعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط على أسس عرقية وطائفية هدف استعماري بعيد المدى معدٌ له بعناية وليس نزوة عارضة، يؤكد ذلك رالف بيترز بقوله «سيستمر جنودنا رجالا ونساء في الحرب من أجل الأمن والسلام ضد الإرهاب، ومن أجل نشر الديمقراطية، ومن أجل حرية الوصول إلى منابع النفط بمنطقة مقدر لها أن تحارب نفسها».
المتغيرات الهيكلية التي طالت الشرق الأوسط منذ اجتياح القوات الأمريكية أفغانستان في أكتوبر 2001م هيأت البيئة المناسبة لجعل تحقيق ذلك الهدف ممكنا. نظرة سريعة لكل من أفغانستان، باكستان، إيران، العراق، سوريا، ليبيا، لبنان، اليمن، السودان بالمقارنة مع ما كانت عليه قبل عام 2001م تثبت مدى التقدم المحرز والخطر المحدق بالشرق الأوسط.
تقضي الخطة التآمرية بتحرك طائفي عرقي داخل الأقليات في الشرق الأوسط، ودعم وتمويل أمريكي، بحيث تكون مؤامرة التقسيم نابعة من الداخل وليست مفروضة من الخارج. الدول المستهدفة بالتقسيم هي سوريا، العراق، السعودية، الإمارات، تركيا وإيران. دول أخرى سيتم توسيعها كاليمن والأردن الكبير، وستحصل أفغانستان على أراض من باكستان، وتفقد بعضا من أراضيها لصالح بلاد فارس، وستنشأ دولة كردستان الكبرى على حساب تركيا وإيران وسوريا، وستؤسس دولة العرب الشيعة، ودولة أخرى عربية سنية على ما تبقى من العراق، وربما تدمج مع سوريا، وسترى النور دولة بلوشستان على أجزاء من باكستان وإيران، وستقوم الدولة الفارسية على أنقاض إيران الحالية، وأجزاء شيعية من أفغانستان، وستُخترع دولة إسلامية على غرار الفاتيكان.
الملك عبدالعزيز أعاد الدولة المركزية إلى شبه الجزية العربية بعد أن هاجرت منها منذ نهاية الخلافة الراشدة، وملوك السعودية حاولوا لم شمل الشرق الأوسط ووضعه على قائمة الاستقرار العالمي وما زالوا كذلك إلى اليوم بعد أن اختزلت هذه المنطقة من العالم في دولة واحدة تستحق الحياة هي إسرائيل والبقية حرم وظيفي لتأمين تلك الدولة الطارئة على جغرافيتها.
في أكتوبر 2018م اعتبر الأمير محمد بن سلمان أن «الشرق الأوسط هو أوروبا الجديدة»، وقال سموه إن تلك الرؤية ستتحقق كاملة. هل استقبل ذلك التصريح بالحفاوة اللازمة في دوائر صناعة القرار الغربية؟ يراد للشرق الأوسط أن يبقى بركانا لا يخمد، ومدفنا لمصائبهم التي يخجلون من اطلاع ناخبيهم عليها.
في الوقت الذي انتعشت الآمال بأن دول الشرق الأوسط المركزية وأعني السعودية وتركيا وإيران تتجه لتصفير مشكلاتها البينية وتوقد مجتمعة نورا في نهاية نفق الشرق الأوسط المظلم، يصدمنا السودان بما يجري فيه ليذكرنا بأن خطة التقسيم لا تزال قائمة.
أمام كل تحد وافد فرص مواتية لقادة الشرق الأوسط ينقذون بها منطقتهم من المؤامرات ويحولونها إلى واحة استقرار ونماء. لن يفعل ذلك غيرهم. لتحقيق هذا الهدف تمد السعودية يدا لا ترتعش.