خالد بن حمد المالك
لا خيار في السودان عن وحدة القوات المسلحة بجيش واحد يأتمر لقيادة واحدة مهما تعددت تشكيلاتها، ما عدا ذلك سيكون المشهد كما في لبنان حيث يتنازع حزب الله الهيمنة عسكرياً مع الجيش، ومثله الحوثي في اليمن، والحشد الشعبي في العراق، والدعم السريع في السودان، وكذلك الحال في ليبيا.
**
وجود قوة عسكرية في أي دولة موازيةً لجيشها دون أن تأتمر بأمره، وتكون منضويةً تحت قيادته وتوجيهه، سيكون بمثابة قنبلة موقوتة جاهزة للانفجار في أي لحظة، كما انفجرت في السودان، ولا زالت تعبث بأمن واستقرار البلاد، وتخلّف هذه الأعداد من الخسائر البشرية، وهذا الحجم من الخسائر المادية.
**
يقودنا هذا الكلام إلى القول إن السودان يمر الآن بأسوأ مواجهات عسكرية بين مؤسستين عسكريتين، تُستخدم فيها كل أنواع الأسلحة، وتُدمر فيها كل المواقع الإستراتيجية، ويُقتل فيها أو يُعاق الآلاف من المدنيين والعسكريين حيث بلغ عدد القتلى 330 قتيلاً، والمصابين 3200 مصاب، وربما فتحت الحدود لاحقاً لتدخل أجنبي يزيد من تعقيد هذه الحرب.
**
وعندما نسأل عن سبب نشوب هذه المعركة بين الإخوة وأبناء العم لا نجد تفسيراً أكثر من أنها نزعة شخصية في حب السيطرة على مقاليد الأمور، وخلافات على من يكون الزعيم أو المسؤول الأول في البلاد، دون التفكير بأن ثمن هذا قتلى ومصابون أبرياء ودمار شامل في البلاد.
**
ومع أن السلطة في البلاد كان ينبغي أن تؤول إلى المدنيين، وأن يتم ذلك دون تأخير أو إبطاء، ويكون دور المؤسسة العسكرية بشقيها تسهيل وتمرير خيار الشعب بحصر إدارة شؤون البلاد بالمؤهلين من المدنيين، ودور الجيش محصوراً بحماية هذا الخيار، غير أن التباطؤ والخلافات أفشلت هذا الخيار وقادت إلى هذه الحرب.
**
المطلوب الآن أن يتوقف القتال، وأن يجلس الفرقاء معاً في حوار وطني مسؤول، يشارك فيه حكماء من الداخل، ويتم التوصل إلى تجنيب الجيش والدعم السريع من أي دور في حكم البلاد، ومعالجة موضوع دمج الدعم بالجيش كما كان مُتفقاً عليه، وأن يكون ذلك خلال شهور لا خلال سنوات، وإلا فإن السودان سيكون دائماً على كف عفريت، وربما على أكثر من عفريت.
**
لكن للأسف، فلا توجد مؤشرات توحي باستعداد الطرفين لإيقاف القتال، ووضع أسلحتهم جانباً، فكل منهما يصر على مواصلة القتال، وكل منهما يخوّن الآخر، ويتهمه بالخيانة، ويتحدث عن انتصارات يحققها لصالحه ضد الجانب الآخر في حرب نفسية إلى جانب الحرب العسكرية، ما يعني أن السودانيين أمام جولات وأيام قادمة على استمرار الحرب.
**
وبالمختصر، فإن لا مصلحة لأحد من السودانيين في هذه الحرب، وليس بينهم من سيكون منتصراً فيها، والجميع بدون استثناء يتعرض لهزيمة قاسية ومؤلمة وتاريخية، أما المستفيد فهو عدو السودان الذي يحرص على تمزيق هذه الدولة، وجعلها في حالة غليان وصراعات لا تنتهي.
**
فيا أهلنا في السودان، ويا إخواننا في الجيش والدعم السريع أوقفوا هذه الحرب العبثية، واصغوا إلى المخلصين والمحبين لكم ممن يتمنون أن تتوقف المواجهات بينكم، ويحتكم الجميع إلى صوت العقل، بدلاً من الحرب الكريهة.