د.الجوهرة بنت بخيت آل جهجاه
ما زلتُ أستمتع بتكرار العيش في ذاكرتي مساء ذلك الاثنين الموافق لـ13 مارس 2023م؛ حيث حفل تدشين مشاريع ومبادرات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في إطار تنفيذ خطتها الاستراتيجية (2021 - 2025م) تحت رعاية صاحب السمو الملكي أمير منطقة الرياض الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله، وحضور صاحب المعالي وزير التعليم العالي أ.د. يوسف بن عبد الله البَنيان حفظه الله.
تلك الليلة التي كانت نقلةً نوعيةً في لُغة الحَدَث، وحَدَث التّغيير؛ نقلةً في لُغة الرؤية التي تتبنّاها الجامعة في إطار إسهاماتها الحثيثة في التحوّل الوطني الذي يستهدف التنمية المُستَدامة، واستثمار الموارد البشرية أفضل استثمارٍ وأجوَده؛ ليتحوّل المأمول واقِعًا، يُبدِع قائدُه في رِوايته بتفاصيل ثريّة، وكثيرة، وجميلة، و-أيضا- مُشْبِعَةٍ لمن لديه شغفٌ نحو الفرَح بالمبدعين المُنجِزين وتقديرِهم.
حَظِيْتُ بفُرصة الحضور، والعَيش في لحظة الإنجاز الأولى، وأَنْ أكون جزءًا ممّن يَشهد حضورها الفعلي في ذاكرة الجامعة، في ذاكرة الوطن، في ذاكرة الرؤية الكبرى (رؤية المملكة العربية السعودية 2030)؛ لأنّ هناك قائدًا يُعاملنا معاملة الأخ الحريص على أنْ تكون كلّ فعالية فرصةً للتعليم والتعلُّم والتحفيز الإيجابي والتطوير؛ ليحرصَ على أَنْ نكونَ -نحن الإناث على وجه الخصوص في إطار تمكين المرأة وتعزيز دورها التنموي- شريكاتِ هذا الفعل المُنجِز للفرح، والأمل، والحُلم الذي قدّم نفسَه بأجمل لُغات الواقع؛ مما يَدفعنا نحو الحرص على المشاركة في الحدَث ولو بمجرد الحضور والتمعّن؛ لأنّ ذلك الحدَث يُشكّل حافزًا حيويًّا لنا (أعني: أفرادَ مجتمع المؤسسة التعليمية)؛ لنَحلم، ونُخطّط، ونسعى، وننجز، ونُشرِك غيرَنا معنا؛ لنحتفل بنِتاج العمل الجماعي.
حملَتْ دعوة الحضور وخطاب معالي رئيس الجامعة/ أ.د. أحمد بن سالم العامِري قِيمةَ التّشارُكِيّة، وهي قيمةٌ عزيزةٌ جدًّا في نجاح مشاريع الاحتفاءات العظيمة، حين يكون القائد جزءًا فعّالاً من منظومة المؤسسة، ويكون هو المُبادِر بجَمعِ شُركائه وشريكاته (المُسهِمين في هذه الإنجازات وغير المُسهِمين) معه في هذا الحَدَث الكبير، والاحتفاء بهم، وبمُنجَزِهم، ومَعَهم، ولَهُم؛ مهما كانت مرحلة تَحَقُّقه التي بلغها على أرض الواقع.
أحتفي بقيمة التشاركية؛ لأنّها تُحقّق مكتسباتٍ متعدّدةً، وتُبرِز معها قِيَمًا أخرى كذلك؛ فهي مِن جهة المُسهِمين والمُسهِمات في الإنجاز: تُعزّز قيمةَ التقدير، وترفع معدلات الاحتفاء والاعتزاز بمقترحاتهم، ومبادراتهم، وابتكاراتهم، وتُجدّد روحَ التحفيز المبنيّة على الثقة والتفاعل والتعاون، كما تدعم -أكثر وأكثر- روحَ العمل الجماعي بما يُخلّص أفرادَ المؤسسة من آلياتِ المنافسة الفردية التي تسعى إلى احتكار القرار أو المُنجَز، ويُخفّض مستوى مقاومة التغيير والتطوير بطريقة فعّالة.
وأما من جهة غير المسهِمين -ذكورًا وإناثًا- في الإنجاز المُحتَفَى به، فإنّ أسلوب الدعوة العامة والخاصة للاحتفاء، وروح الخِطاب الجماعية التي تجعل الكُلّ شريكًا أصِيلاً في هذا المُنجَز- يُعزّزان المسؤولية المشترَكة للنجاح لدى أفراد المؤسسة جميعًا، ويُوجِدان لديهم رغبةً واعيةً أو غيرَ واعيةٍ في التغيير والتطوير التنمويَّين؛ لأنّ أفراد المؤسسة باتوا على اطّلاعٍ دقيقٍ بالوضع الواقعي لمؤسستهم من خلال معرفةِ ما تَمّ، وما تجري الأمور باتجاه إتمامه.
هذا الوعي بالمسؤولية المشترَكة في النجاح لا يتوقف عند حدود اللحظة الحاضرة، وإنما يعود بأفراد المؤسسة إلى تحليل الأُسس التي انطلقتْ منها تلك المشاريع وتلك المبادرات؛ بخاصة حين يَسترجعون تلك الاستطلاعات، والتعاميم، وطلب التقارير، والاجتماعات، واللقاءات الحِوارية ...إلخ؛ لتكون النتيجة أنّ هذه المشاريع والمبادرات نابعةٌ من الاحتياج الفعلي لأفراد المؤسسة، وأنّ هذه الاحتياجات خُطِّط لها في برامج معينة بمعالجاتٍ معينة، ونُفّذت أو شُرِع في تنفيذها، وهي تحظى بالمتابعة والمراقبة والتقويم؛ لتَخرج في هيئة مُنتَجاتٍ فعّالةٍ في تحقيق أهداف المؤسسة وطموحات أفرادها، بالإضافة إلى أنّها يمكن أن تتحوّل إلى أبعد من هذا؛ وذلك بكونها مُنتجاتٍ واسعةَ الأثر في تحقيق التنمية المستدامة للمجتمع الوطني المحلّي والمجتمع العالمي كذلك.
حين يُضاف إلى قائمة المشاريع والمبادرات تفعيل مبدأ الحوافز (مثل: جائزة التميز لأعضاء هيئة التدريس، وجائزة التميّز للموظّفين)، فإنّ هذا يُحوّل الحفل إلى بيتٍ لصناعة الخبرة من خلال تفاصيل التخطيط الاستراتيجي المسرُودة بإتقان، بطريقةٍ تُكسِب أفراد المؤسسة خبرةً في عملية التخطيط في ذاته والقِيَم التي يُبنَى عليها، وهو مُشجِّعٌ على وضعِ خططٍ ناجحة أخرى، أو التزويد بمقترحاتٍ وتقويماتٍ بنّاءةٍ، أو حلول ومعالجات إبداعية؛ وبكلماتٍ أخرى: صُمّمت روح الحفل الخطابية والمرئية السردية لتكون دعوةً للانضمام إلى مجتمع الإنجاز والتطوير وفق الروح التشاركية التي تَعِي أنّ التغيير والتطوير التنمويَّين حاجةٌ وإرادةٌ، تَنبعان من داخل مجتمع المؤسسة ذاته، وتُبنَيان على قُدرته على إنجاز ذلك بروح الفريق الواحد باتجاه ما صرّح به معاليه في كلمته الضافية، وهو أنّ هذه الروح التشاركية تأتي «حِرصًا من الجامعة على أنْ تَكون مؤسسةً تعليميةً مرِنةً، وبيئةً جاذبةً، تُواكِبُ التطوّرات، وتَستجيب للتغيّرات».