خالد بن حمد المالك
بصرف النظر عمن يجب أن يقود المؤسسة العسكرية في السودان، وكيف يتم تشكيلها، وتفاصيل الصلاحيات التي تُعطى لقادة القوات المسلحة من برية وبحرية وجوية وغيرها، إلا أنه للضرورة ومن أجل نزع أي خلافات قد تحدث يجب أن يكون للسودان جيش واحد ومسؤول واحد، وأي تنظيم عسكري إذا ما وجد يجب أن يكون جزءاً من تشكيل القوات المسلحة ويأتمر بأمرها.
* *
وإذا ما وجد أكثر من تنظيم عسكري يتنازع السلطة والمسؤولية، فهو كمن يقوّض قدرة الجيش على الإمساك بالأمور، وعلى استعداده لمنع أي مواجهات عسكرية بين القوى العسكرية الموجودة على الأرض طالما أن القوات المسلحة تمتلك السلاح والأفراد والمسؤوليات العسكرية حصراً.
* *
في الحالة السودانية هناك الجيش الوطني، وهناك الدعم السريع الموازي له، والأخير من اختراعات وابتكارات الرئيس السابق عمر البشير لضمان استمراره في الحكم أطول مدة ممكنة، وقد أفاده هذا الابتكار للبقاء ثلاثين عاماً في سدة الحكم، وإن كان الدعم السريع قد انقلب عليه وساهم مع المدنيين في إسقاطه من كرسي الرئاسة.
* *
ولا شك أن المواجهات العسكرية في السودان فتحت شهية الدول للتدخل في شؤون البلاد، وإن لم يكن واضحاً حتى الآن، لكن لا يوجد أي تطمين على أن مثل هذا التدخل لن يحدث في ظل احتمال استقطاب هذا الطرف أو ذاك لقوى خارجية إذا ما شعر بالهزيمة، وأن لا حيلة له إلا بالاستقواء بالخارج.
* *
وما يجري في السودان جريمة أياً كان الطرف المتصرف فيها، مع أن الجميع في حالة هزيمة نكراء، والسودان بكامله لن ينتصر في حرب كهذه، فهي حرب بين الأخوة وأبناء العم، وبين أفراد القوات المسلحة في الجانبين، وهي معركة تنم عن ضيق أفق، وأنانية بغيضة في الاستيلاء على الحكم، وقد دُبرت ذلك في ليل.
* *
المشكلة في أزمة السودان أنها لن تنتهي بتوقف القتال، إذ إن تداعياتها السلبية ولفترة طويلة ستظل تلقي بظلالها على المشهد السوداني، وسيعاني الشعب من تأثيرها، وظهور قوى جديدة وتنظيمات أخرى، وربما التحكم الأجنبي في الشأن الداخلي.
* *
نعم إن ما يحدث يمثل جريمة بكل المواصفات، فأعداد القتلى والمصابين، والتدمير الذي تم، والخسائر المادية والاقتصادية، كلها تؤكد على أن ما حدث ويحدث لا يمكن تفسيره بأكثر من أنه تصرف أحمق، ويرتقي إلى الإدانة القوية لكل من كان سبباً فيه.
* *
ومن المهم أن يتوقف حمام الدم، وقتل الأبرياء، وحفظ ما تبقى من هيبة الدولة، وممارسة ضبط النفس، والالتزام بمواقف تقود إلى إيقاف القتال، والتوجه نحو الحوار، وصولاً إلى إنهاء هذه الحرب العبثية.
* *
وإيقاف القتال سوف يفتح الباب أمام المؤسسات المدنية لمواصلة تنفيذ ما تم التوافق عليه مع العسكريين، في نظام يقود إلى اختيار قادته من خلال الانتخابات وصناديق الاقتراع، وتجنيب المؤسسة العسكرية مزاحمة المدنيين في تولي إدارة شؤون الدولة، لتنصرف إلى مهمتها في حماية البلاد، وضمان الأمن والاستقرار فيه.