رضا إبراهيم
مثلت قضية تغير المناخ، إشكالية كبيرة جداً لمعظم الدول والحكومات قاطبةً، وتلك القضية بالذات كانت وما زالت في احتياج لأفكار جديدة ومبادرات غير تقليدية لمعالجتها، ويُعد تغير المناخ الناتج عن الأنشطة البشرية، أحد أبرز التحديات المصيرية بالقرن الحادي والعشرين، وتغير المناخ مشكلة عمل جماعي، نتيجة للسلوكيات المشتركة، التي تختزل في صميمها طريقة معيشة البشر وعملهم واسترخائهم بالحياة الحديثة.
ومعظم العناوين الرئيسية لقضية تغير المناخ، سواءً المقروءة أو المسموعة أو المرئية، تحدد دوماً مشكلة المناخ التي نواجهها بشكل كئيب جداً، كالتصحر وارتفاع المحيطات وزيادة حرائق الغابات والجفاف وغيرها، وكلها عناوين تخبر عن تغير المناخ بوجود مشاكل فقط دون حلول، لذلك تعتبر الخطابات العامة عادةً، تغير المناخ تهديداً يتناثر فيه الكآبة والإكراه النفسي، وعلي العكس تماماً من الكآبة أو الجدية الشديدة، كان للكوميديا أمراً آخراً مع قضية المناخ، حيث إن الكوميديا ومنذ نشأتها دأبت على السخرية من كل الظواهر، والضحك عامةً يمكنه تقوية العزيمة، والمساعدة على إطلاق العنان نحو الإبداع، والكوميديا بحد ذاتها تعزز القدرة على الصمود.
وعلى ذلك يؤكد بورا تشانج الأستاذ المحاضر بقسم علوم الأرض والبيئة بجامعة «كولومبيا» للمناخ قائلا «أعتقد أنه يجب أن يكون لديك القليل من أسس الدعابة والكوميديا للقيام بذلك العمل، لا شيء مضحك بهذا، ومع ذلك فمن السخف أن تضحك نوعاً ما»، وكلام تشانج هذا يعني أن الكوميديا تستغل دوماً الشقوق بالحجج، فهي (تتأرجح وتحث وتلفت الانتباه) للغير متناسق والكاذب والمدعي، ويمكن للكوميديا جعل الأبعاد المعقدة لتغير المناخ تبدو أكثر سهولة، وتظهر أن تحدياتها تبدو أكثر قابلية للإدارة، كما وجد أن الكوميديا توفر مسارات فعالة، لزيادة الوعي والتعلم ومشاركة المشاعر والمحادثات والإلهام لفناني الأداء والجماهير علي حد سواء.
وفي شهر مارس عام 2017م نشرت جمعية «علم النفس الأمريكية» تقريراً عرَّف القلق البيئي بأنه «خوف مزمن من هلاك البيئة» وأشار ذات التقرير إلى الأدبيات التي وصفت زيادة في الاكتئاب والقلق لعدم قدرة البشر على الشعور، وكأنهم يحدثون فرقاً بوقف تغير المناخ، ومع وجود تلك المخاطر النفسية العالية تبدو الدعابة مناسبة، ويعتقد فيل مكورديك الممثل الكندي ومنتج برامج الأطفال ومقدم سلسلة برامج (Science Max) بقناة (TV Ontario) أن الكوميديا يمكن أن تصبح وسيلة مؤثرة، للوصول إلى انتباه الكثير من الأشخاص، الذين لم تكن ستجذبهم لولا استخدام ذلك الطابع الكوميدي.
ويؤكد مكورديك على أنه مثلما كانت الكوميديا مفيدة جداً لبرامج الأطفال وجذبها الانتباه، فهو يعتقد أيضاً أن هذا يمكن تطبيقه على البالغين أيضاً، مشيراً إلى أن كوميديا تغير المناخ تمنع قلق البشر بشأن سياساتهم، وتسمح لهم بقبول المعلومات، لعدم فهم العلماء جمهورهم دائماً، بينما جعل شخص ما يضحك، هو نصف العمل لجعله يفهم.
وهناك مجموعة باحثين مثل كريستوفر مكورديتش الأستاذ المساعد لدراسات الأفلام والإعلام بكلية الاتصالات بجامعة بنسلفانيا، حيث أوضح أن الكوميديا هي أداة مفيدة لجعل الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين (18 - 24) عاماً أكثر انخراطاً سياسياً في تغير المناخ، وفي السنوات الأخيرة تم حشد الكوميديا بشكل متزايد، كوسائل ذات صدى ثقافي للاتصالات الفعَّالة بشأن تغير المناخ، كأشكال يومية للمقاومة وأداة من أدوات الحركات الاجتماعية، ويتم النظر بفعالية الكوميديا في التواصل مع تغير المناخ.
وأشار مكورديتش إلى أنه بينما يقوم الأفراد والجماعات أيضاً ببناء أدوات الاتصال عبر الكوميديا، كتجربة متعددة الوسائط في رسم الكوميديا والوقوف والارتجال، يشارك فيها جمع من الفنانين والمسئولين، وفي خضم البحث العلمي عالي الجودة حول أسباب وعواقب تغير المناخ، فإن الاتصالات المناخية والمحادثات الإبداعية، حول تغير المناخ بحياتنا عالقة نسبياً في الوقت الحاضر.
وطالما امتلكت الكوميديا القدرة على ربط الناس والمعلومات وطرق التفكير، والكوميديا تبرز أيضاً حقائق متعددة وطرقاً للمعرفة في فرحتها المنتشرة بكثير من الأحيان، بالمعاني المتعددة للأفكار الفردية أو العبارات أو الكلمات، ويمكن للكوميديا استغلال التشققات في الحجج والتلويح والحث والتسبب في الإزعاج، كآلية للفت الانتباه لما هو غير ملائم أو منافق أو كاذب أو طنان، وتتدفق القوة من خلال الكوميديا لتمكين التنقل بين البدائل المصرح بها.
ويمكن للكوميديا إبراز مواقع خصبة للمقاومة، وممارسة القوة لزعزعة الثبات وتهديد الفكر والممارسة الأصولية، عبر تفسيرات أكثر دقة وشرطية للحقيقة، فالأشخاص والمسئولون لا يتفاعلون عادةً مع أبعاد تغير المناخ، أو يتعلمون منها من خلال قراءة الأدبيات التي راجعها النظراء، سواءً في أحدث تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، أو بالبحث العلمي الجديد في مطبوعات العلوم أو الطبيعة، وبدلاً من ذلك يقيم الأفراد روابط بين العلوم والسياسات الرسمية وحياتهم اليومية، عبر مجموعة من وسائل الإعلام ذات الصلة والتواصل والتجارب الشخصية، وتلك الوسائل تُعد مساحات شبه سياسية معقدة، من خلال منظور القوة الحيوية، أي أن الكوميديا والنكات تشكل ملامح الخطاب.
وفيما يخص نفس السياق باتت الرسوم الكاريكاتورية الكثيرة حالياً، حول المخاطر والصراعات اليومية، والتي تم تصورها في الأصل لأسباب أخرى ذات صلة بشكل مخيف عند تطبيقها على فتح محادثة بسياق ما، لأن الكوميديا لغة عالمية وانعكاس للروح الإنسانية ولغة لصنع المعنى، يمكن أن تساعد في تقوية جسر القضايا والثقافة، وبها نتعرف على الاستعارة ونترجمها وفقاً لسياقنا الخاص، ويمكن أن يتشارك شخصان معاً البهجة في رسم كاريكاتوري معين، بينما يمكن للتجربة المشتركة لإيجاده مضحك، أن تبدأ في تغيير ثقافة المجموعة، وأن تؤدي بنفس الوقت لعمليات التفسير الداخلي، التي قد يكون لها معان مختلفة وفروق دقيقة.
بما فيها الفروق الدقيقة، أو معان تتجاوز ما كان يفكر فيه رسام الكاريكاتير، من خلال تسهيل عملية الحوار المستوحى من الرسم، حول ما يضرب على أوتار تلك الكوميديا، وبذلك يمكن تسخير الكوميديا لدفع الاكتشاف الجماعي، بأساليب تعمِق المحادثة، وتزيد نطاق البصيرة الجماعية، فالرسام يقدم استعارات تعكس الواقع الثقافي، وتدعو للتعرف على ما هو سخيف، ولا يوجد مبرر له بالواقع الفعلي وفي احتياج إلى التغيير.
وعندما يقضي الناس وقتاً ممتعاً لبحث ومناقشة أمور جادة بالكوميديا، تصبح أصعب الحقائق محور تركيز المعنيين، ويمكن أن تبدأ التحولات بالتفكير والتواصل في الحدوث، لأن إدراكنا لكيفية عمل كوميديا رسامي الكاريكاتير، لتعزيز النقاش الجيد حول القضايا الخلافية، مثل قضية تغير المناخ، تقود إلى توحيد الجهود مع رسامي الكاريكاتير الأكثر احترافاً، لتطوير طريقة ميسرة للمشاركة بإظهار الكوميديا المرئية، باعتبارها وسيلة مثلى ومعززة بوسائل مواجهة المخاطر عبر النقاشات الجادة، والكوميديا بذلك والمتمثلة في رسوم الكاريكاتير، تعتبر العدسة البديلة لتقليل اليأس، وتساعد في تغيير القضية، التي يجب أن نخبر بها أنفسنا عن تغير المناخ.
وقد ظهر أن الهجاء وسيلة فعالة للتواصل المناخي، نظراً لعلمنا وجود كثير من المشاكل المرتبطة بتغير المناخ، ولكن الحديث عن تلك المشاكل، يمكن أن يؤدي إلى اليأس والتقاعس عن العمل، لكن المؤكد أنه يجب عدم التخلي عن مواجهة قضية المناخ، أو التخلي عن إيجاد حلول لها، وهناك أشخاص كثيرون يرتبكون من اللغة العلمية المستخدمة لتوصيل الرسالة، لكن الكوميديا يمكنها أن توفر على أرض الواقع للأشخاص الذين يشعرون باليأس أو الخلط، كطريقة أسهل للوصول للمعلومات حول تغير المناخ، ففي عام 2019م جادل الباحثان جانوت ميندلر وبابلو سواريز من مركز باردي بجامعة «بوسطن» الأمريكية، وكانا يحللان التواصل الهجائي وتغير المناخ لسنوات، وأظهر بحثهما الموسوم بـ(أظهر باستمرار) أن السخرية يمكنها إثارة اهتمام الناس بالعلوم، بسبب الانتشار الواسع للكوميديا.
وشددا كلا الباحثان على برنامج ساخر كـThe Daily Show) )، وهو برنامج تليفزيوني أمريكي كوميدي ساخر يعني بالعربية (العرض اليومي) وأكدا على أنه يمكن أن تساعد مشاهدته الأشخاص على قراءة المزيد عن موضوع ما، ويمكننا أن نفترض أن التفكير الأكثر إيجابية من خلال الصياغة أو النكات، يمكن أن يساعد في تحفيز الناس على العمل، بجانب قدرة نفس البرنامج على تقديم المعلومات بشكل أكثر وضوحاً، ويمكن للسخرية أيضاً أن تربط الناس.
وخير مثال أنه أثناء تحليل (قناة الطقس الإخبارية الأمريكية) استخدام الكوميديا حول تغير المناخ، وجد الباحثون أنه من المرجح أن يفهم الناس تلك الرسالة ويتواصلوا معها، حالة ما إذا ما تم إعطاء الجمهور عدواً مشتركاً يمكنهم مواجهته معاً، ليواجهوا أولئك المتشككين في قضية المناخ، وهم يشكلون عدواً مشتركاً قوياً، كونهم باتوا حاجزاً كبيراً أمام التغيير المجتمعي، لذلك فإن الكوميديا أحادية الجانب التي تسخر من المتشككين، تميل دوماً لأن تكون أكثر فعالية، لنقلها الرسالة بشكل أكثر وضوحاً.