في صالة أحد المطارات الدولية والساعة قد تجاوزت الثانية فجراً ببضع دقائق، شد انتباهي فتاة دخلت صالة الانتظار وهي بكامل زينتها ما زاد من جمالها جمالاً ملفتاً.
ولكن سرعان ما غيرت صغيرتي وجهتي وهي تطلب بإلحاح نوعاً من الشكولاتة في منافذ البيع بالمطار ومحاولتي بإقناعها بعدم مناسبة تناولها، حجب تفكيري عن كل ما حولي أحسست بغصة في داخلي وأنا أسمع صوت شهقات وخطوات سريعة تأتي من خلفي.
إنها صاحبتي الأولى، منظرها الباكي ذاك جعلني أشعر بالألم من أجلها وودت أنه كان بإمكاني أن ألحق بها وأعلم دخيلة نفسها وأساعدها بقدر استطاعتي ولكن هيهات لي بذلك.
ولعلي لم أجد مثل الكتابة التي قد تخفف عنها وعن أمثلها وأمثلنا من معاشر المنتظرين
من منا لم يقف في محطة الانتظار تلك؟
ويكتوي بناره الهادئة؟
ولا تظن أنك عندما تبلغ سناً معيناً ستنجون منه
عندما كنت طفلاً كنت تنتظر
وعندما كنت شاباً كنت تنتظر
وعندما ستكون كهلاً ستنتظر
وعندما تكون عاشقا ستنتظر
وحتى عندما تكون شيطاناً مجرداً من المشاعر ستنتظر
وعندما تكون غنياً وناجحاً ستنتظر وعندما تكون فقيراً أو فاشلاً ستنتظر إذاً لا نجاة لك من الانتظار.
فما هو الانتظار؟ هو الترقب وتوقف الحياة داخلك.
قد تعمل وقد تمضي ولكن الانتظار يحرقك رويداً رويداً وقد تخرج من دائرة الانتظار تلك منتصراً أو محطماً
ولا أجد أبلغ وصفاً وعلاجاً لحالة الإنسان المنتظر إلا هذه الصورة.
الإنسان المنتظر يقع في أتون حام حرارته الدافئة تلك قد تشعره بالراحة الكاذبة فتضيع أيام حياته وهو في أتونها راضياً سعيداً وما علم ذلك البائس أن مكثه ذاك وهو منتظر, هو موت بطيء يقتله دونما رحمة لا يكتشف فداحة جرمه في حق نفسه إلا عندما يقرر المواجهة.
إن الانتظار للقبول في جامعة أو ترقية أو ربح معين أو رد جهة معينة أو رد شخص تحبه من أكبر الأخطاء التي نقع فيها جميعاً مهما بلغنا من الدراية والفهم والفطنة ولكن لعل هذه الكلمات للذكرى {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}، ولعلها تلهمان الصواب يوماً عندما نقع في فخ الانتظار.
على كل فرد أن يعد الخطة باء دائماً في العلاقات واللقاءات والعمل والسعي للنجاح.
لا تحرق ذاتك بانتظار شخص ما أو أمر ما ولكن أسعى لطرق بابٍ آخر.
وقد يقول البعض وإذا كنت قد قدمت على أكثر من جهة لأمر ما وكل تلك الجهات سأنتظر أن ترد عليّ عندها أقول لك قم بعمل ما ولا تنتظر جميع تلك الجهات، إن كنت تنتظر قبول عدد من الجامعات فادخل دورات أو أندية قد يكون نجاحك في مكان آخر لم تسع له وإن كنت كهلاً وشعرت بالوحدة فلا تنتظر زيارة أحد أو تقديره لك بل اخرج من دائرة الانتظار وأسعد نفسك بأمر ما قد يكون زيارة لمؤسسة ما تقدم بعض الخدمات أو أندية أو حتى المشي في مكان عام، وقس على ذلك الكثير من الأمور التي نضيع حياتنا وقد جلسنا القرفصاء في انتظارها.
وحقيقة عندما لا تنتظر تأتي كل الأمور لك.
أما من ينتظر رداً في علاقة ما فأمر القلب أمراً أخرى وهو أشد وجعاً ولن تكون الخطة باء هي الحل المناسب له بل الحل يكمن في سرعة المواجهة وعدم الانتظار وتوقع الأسوأ والله أعطى كل إنسان مقدرة على التحمل والتغلب أياً كان إيمانه بذلك الخالق من عدمه لأن الله أرحم بتلك الأنفس المتوجعة من ذواتها لذلك على كل شخص ألا يحرق ذات في محطات الانتظار.