خالد بن حمد المالك
لا يحتاج السودان الشقيق إلى من يثخن جراحه، ويزيد من أوجاعه، ويقتل فيه ما تبقى من الدولة, والهروب به إلى مستنقع الحروب، ونزيف الدماء، وتحويل البلاد إلى أرض محروقة، لا تفرق بين الحجر والبشر، وبين الأخضر واليابس.
* *
السودان بناسه الطيبين لا يستحق أن يكون ساحة احتراب بين الإخوة والأهل، فتذهب دماء الأبرياء هدراً، وتهدم المنشآت دون مبرر، ويغيب صوت الحكمة، ولا يحضر التصرف العاقل في ساعات حضور الشيطان المارد.
* *
لقد كُتب على السودان في تاريخه أن يكون حقل تجارب للمغامرين، ومزرعة خصبة للانقلابيين والمتآمرين والمتاجرين بالحروب، ما لا يمكن فهم ما يجري في السودان الآن إلا أنه امتداد لما كان يجري في الماضي البعيد والقريب.
* *
فهذه الحرب الطاحنة بين الجيش السوداني وتنظيم الدعم السريع، لا تعدو أن تكون استخفافاً بالشعب، وترويعه، وسقوط ضحايا منه بين قتيل وجريح ومفقود (وصل عدد القتلى في المواجهات نحو 180 قتيل والجرحى أكثر من 1800 جريحاً)، فضلاً عن الخسائر المادية، وتعطيل حركة الحياة، وفقدان الأمن في البلاد.
* *
وأياً كان المنتصر على الآخر في الاشتباكات، فإن السودان في كلا الحالتين في حالة خسائر لا تعوض، وسيظل ينزف جراء هذا القتال إلى حين، ولن يضمد جراحه، ولن ينسى قتلاه ومصابيه، ولن تغيب عن عيون الناس ما هدمته الحرب، وكل هذا بسبب المغامرين، وبالذات من أطلقوا الرصاصة الأولى في هذه المواجهة العسكرية.
* *
وحتى هذه اللحظة لم تتضح بعد كل الخسائر البشرية، ولم يعلن عن أرقامها الحقيقية المهولة، وما أعلن عنه على ضخامة عدده ربما لا يكون مطابقاً للواقع، وسوف يتزايد العدد كلما طال أمد القتال، وستتوالى الخسائر، متى ما استمر الجانبان يرفضان قبول الوساطات لإيقاف هذه الحرب العبثية، ويصران على استمرارية المواجهات العسكرية.
* *
نعم كان هناك خلاف بين الجيش والدعم السريع، لكنه كان خلافاً مخفياً ومسكوتاً عنه، ولكنه كان بمثابة النار تحت الرماد، وكان لا يحتاج إلى مزيد من الجهد لإحياء ما خبأه الرماد، وهكذا رأينا الشرارة الأولى، ثم الحريق الذي بدأ بالخرطوم العاصمة، وامتد إلى ولايات ومدن أخرى.
* *
وما يجب أن يتم الآن سريعاً وفوراً هو إيقاف الحرب والوصول إلى توافق على وحدة الجيش بضم الكيانين في كيان واحد، يشارك فيه الجميع دون تقزيم لطرف أو آخر، مع استخلاص الدروس من هذه المعركة بين رفاق السلاح، ومحاسبة كل من كان وراء افتعال هذه المعركة القتالية، ومن كان البادئ فيها، أو دعمها أو شجعها، وتحميلهم مسؤولية من قتل أو أصيب، وما هدم من منشآت.
* *
من المهم أن يعود السودان أقوى بكثير مما هو عليه الآن، وأن يتخلص من أسباب الفرقة والنزاع، بحكم مدني منتخب، بضمانة جيش قوي مُوحّد، وتفاعل شعبي، بعيداً عن أسلوب الانقلابات والمؤامرات والنزاعات التي ملّ الشعب منها، واكتوى بنارها، ولم يحصد منها إلا الويلات.
* *
الجميع يتابع بقلق ما يجري في السودان، ويشعر بالتضامن والتعاطف مع إخواننا في السودان, وما من أحد إلا وأقلقه ما يجري الآن، وما من عاقل إلا وأثاره الرعب والخوف على إخواننا السودانيين من خلال المشاهد العنيفة في المواجهة العسكرية بين الجيش والدعم السريع دون أن يعرف لذلك سبباً.
* *
ولابد من التذكير بأن إيقاف المواجهة العسكرية بين الطرفين لا يكفي إذا كان الوضع سيعود إلى ما كان عليه من انقسام، فهذا موضوع مهم يجب حسمه، فتنازع السلطة العسكرية بين جناحين ليس في مصلحة السودان، لأن مثل هذه المواجهة العسكرية سوف تتكرر، وربما من محاسن هذه الحرب - على مرارتها - أن يعاد صياغة المؤسسة العسكرية على النحو الذي يخدم السودانيين والسودان أولاً وأخيراً.