أ.د.عثمان بن صالح العامر
سبق أن أوردت في مقالي السابق ما قاله الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن المذاهب الفقهية الأربعة وأخذه بالمذهب الحنبلي، وما قيل عن أهل نجد وعلمائها من حنبليتهم وفي ذات الوقت تتبعهم الدليل الذي يأخذ به الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله واقتدائهم به من غير تقليد له، وربما اختاروا ما ليس منصوصاً في المذهب، إذا ظهر وجه صوابه، وكان قد قال به أحد الأئمة المعتبرين. وليس ذلك خروجاً عن المذهب، إذ قد تقرر عن الإمام المجدد، وعن سائر الأئمة، رحمهم الله أنه إذا خالف قول أحدهم السنة، ترك قوله، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي مقال اليوم أسوق ما قاله علماؤنا المعاصرون إجابة للسؤال المطروح (هل نحن بحاجة لمذهب فقهي جديد؟).
- سُئِلَ سماحة الشيخ ابنُ بازٍ رحمه اللَّهُ تعالى: هل لسماحتكم مذهب فقهي خاص وما هو منهجكم في الفتوى والأدلة؟
فأجاب رحمه الله: (مذهبي في الفقه هو مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، وليس على سبيل التقليد ولكن على سبيل الاتباع في الأصول التي سار عليها، أما مسائل الخلاف فمنهجي فيها هو ترجيح ما يقتضي الدليل ترجيحه والفتوى بذلك سواء وافق ذلك مذهب الحنابلة أم خالفه؛ لأن الحق أحق بالاتباع. وقد قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (سورة النساء: 59).
- ويقول فضيلة الشيخ ابن عثيمين بقوله: (التمذهب بمذهب معين إذا كان المقصود منه أن الإنسان يلتزم بهذا المذهب معرضاً عما سواه سواء كان الصواب في مذهبه أو مذهب غيره فهذا لا يجوز ولا أقول به.
أما إذا كان الإنسان يريد أن ينتسب إلى مذهب معين لينتفع بما فيه من القواعد والضوابط ولكنه يرد ذلك إلى الكتاب والسنة، وإذا تبين له الرجحان في مذهب آخر ذهب إليه فهذا لا بأس به.
والعلماء المحققون كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره هم من هذا النوع هم محققون ولهم مذهب معين ولكنهم لا يخالفون الدليل إذا تبين لهم ).
ويقول في موضع آخر: (... فالانتساب إلى المذهب لا يعني أخذ كل ما فيه بعجره وبجره من غير نظر ولا بحث، فإن هذا لا يحتاج إلى تعلم أصلاً، إذ لا فرق بين هذا وبين صحيفة بها فروع المذهب. وأكابر علماء المذاهب قد نراهم خرجوا عن المذهب في كثير من المسائل، ولم يمنعهم هذا من الانتساب إلى المذهب، حتى قيل إن أبا يوسف ومحمد بن الحسن قد خالفا أبا حنيفة في نصف المذهب أو أكثر, ولم يقل أحد إن لهما مذهباً آخر).
- ويقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله (... والتمذهب بمذهب واحد من المذاهب الأربعة المعروفة التي بقيت وحفظت وحررت بين المسلمين والانتساب إلى مذهب منها لا مانع منه، فيقال: فلان شافعي، وفلان حنبلي، وفلان حنفي، وفلان مالكي، ولا زال هذا اللقب موجودًا من قديم بين العلماء حتى كبار العلماء يقال مثلاً: ابن تيمية الحنبلي، وابن القيم الحنبلي، وما أشبه ذلك ولا حرج في ذلك، ومجرد الانتماء إلى المذهب لا مانع منه لكن بشرط أن لا يتقيد بهذا المذهب فيأخذ كل ما به سواء كان صوابًا أو خطأً، بل يأخذ منه ما كان صوابًا، وما علم أنه خطأ لا يجوز له العمل به، وإذا ظهر له القول الراجح فإنه يجب عليه أن يأخذ به سواء كان في مذهبه الذي ينتسب إليه أو في مذهب آخر؛ لأن من استبانت له سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن له أن يدعها لقول أحد...).
- وفي هذا السياق أوضحت الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء، في السعودية، الاثنين الماضي، أن الدعوة إلى إنشاء مذهب فقهي إسلامي جديد، تفتقد الموضوعية والواقعية.
إن الفقه الإسلامي بمذاهبه الفقهية المعتبرة، واجتهاداته المتنوعة، يستجيب لجميع مطالب الحياة الحديثة، ويوفق بين حاجاتها والشريعة الإسلامية، وهو ما تبرهن عليه الهيئات العلمية، والمجامع الفقهية، التي تمارس الاجتهاد الجماعي.
إن من نعم الله على المسلمين في هذا الوقت تيسر الاجتهاد الجماعي عبر هذه الهيئات والمجامع، التي تتفاعل إيجاباً مع حاجات المجتمع وتطوراته المعرفية والاجتماعية والاقتصادية، ومئات القرارات التي صدرت عن هذه المؤسسات المجمعية في مختلف المجالات برهان ساطع على ذلك.
جاء ذلك - كما هو معلوم - رداً على رجاء الشيخ صالح المغامسي، إنشائه مذهباً فقهياً جديداً). دمتم بخير، وتقبل الله منا جميعاً الصيام والقيام، وإلى لقاء والسلام.