خالد محمد الدوس
في عام 2002 أطلقت منظمة الصحة العالمية مصطلح «العنف المدرسي» للتعبير عن ظاهرة التنمر أو العنف داخل المدراس، وذلك لإبراز خطورة هذه الظاهرة المجتمعية وتشجيع الحكومات والمنظمات على اتخاذ إجراءات وقائية لمكافحتها والحد من آثارها على صحة الطفل النفسية والتربوية والاجتماعية.
كما أطلقت الأمم المتحدة حملة عالمية لوقف التنمر بمناسبة اليوم العالمي «لمكافحة التنمر المدرسي» الذي يصادف (20 أكتوبر) من كل عام، وذلك بهدف التوعية والتحفيز على اتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف التنمر، الذي يزداد انتشاره وتتفاقم أضراره وتطال عواقبها عدداً هائلاً من الأطفال والمراهقين على مستوى العالم..!
ولا شك أن المدرسة تعد ثاني مؤسسة اجتماعية بعد النسق الأسري من حيث أهميتها البنائية والوظيفية، ومكانتها في التأثير على سلوك الطفل ورعايته وصقل شخصيته وتنمية مهارته ومواهبه، وتزويده بالمعلومات والمعارف وتعزيز قيمه التربوية، وكما هو معروف فإن المدرسة بيئة اجتماعية مليئة بالانفعالات والمثيرات والضغوط والتفاعلات الاجتماعية، ومن خلال هذه العمليات قد يتعرض الطلبة لبعض الصعوبات والمشكلات والمثالب المدرسية التي ربما تؤثر على تفاعلهم وقدرتهم على التكيف السليم داخل المناخ التعليمي، وبالتالي تظهر بعض (السلوكيات اللا تكيفية الشاذة) التي قد تعرقل سير العملية التعليمية، وتقف عائقاً في تحقيق أهدافها التربوية وغاياتها السامية، ولعل من أهم الظواهر السلبية التي تحدث في البيئة التعليمية، وتهدد نظامها التربوي.. ما يسمى (التنمر المدرسي).. هو نوع من أنواع العنف الذي يحدث في البيئة المدرسية، وهذا المفهوم الذي يعرفه علم الاجتماع المدرسي (بأنه مجموع السلوك غير المقبول اجتماعياً بحيث يؤثر على النظام العام للمدرسة، ويؤدي إلى نتائج سلبية فيما يتعلق بالتحصيل الدراسي).. وللتنمر المدرسي مظاهر وأشكال.. ومنها (التنمر البدني) كتسلط المعلمين واستخدام العقاب والإيذاء الجسدي ضد الطلاب، والشجار والمنازعات والخصام بين التلاميذ وحتى بين المعلمين، و(التنمر المادي) مثل التخريب داخل المدرسة، والكتابة على الجدران، والعبث بممتلكات المدرسة، و(التنمر الرمزي) كالسخرية والاستهزاء والاحتقار، و(التنمر اللفظي) كالسب والشتم وإطلاق الألقاب المخلة بالأدب وكرامة الإنسان».
وتعد ظاهرة (التنمر المدرسي).. ظاهرة نفسية اجتماعية موجودة في كل المجتمعات الإنسانية غير أنها تختلف في معدلاتها ونسبها من مجتمع لآخر..وهي ناتج عن وجود خلل في مراقبة الأبناء ورعايتهم وحسن تربيتهم وتنشئتهم التنشئة الاجتماعية السليمة، بالإضافة إلى تدهور الأساليب التربوية المدرسية وتنشئتها الخاطئة في معظم الأحيان، والتعامل بالقسوة داخل البيئة المدرسية، والتفرقة في المعاملة بين الأبناء داخل النسيج الأسري.. قد تخرج أجيالاً معادية للمجتمع ومتمردة على قيمه ومعاييره الاجتماعية الأصيلة، أو كما يسميها علماء الاجتماع (الانومي)، بالإضافة إلى العوامل الاقتصادية والخصائص النفسية والعقلية والاجتماعية التي ربما تقود إلى انتشار فيروسات العنف المدرسي، ويمكن تفسير هذا السلوك الانحرافي من منظور «علم النفس الاجتماعي» بأنه ناتج مع خلل وظيفي في التنشئة الاجتماعية والنفسية والتربوية والثقافية أفرزت -كيميائياً- مثل هذه التصرفات المناهضة، والممارسات الخاطئة، والسلوكيات العدائية، وبالتالي قد تؤدي إلى إلحاق الضرر بأحد العناصر المدرسية الرئيسة (الطالب- المعلم- الممتلكات المدرسية).. والأكيد أن ارتفاع معدلات هذه الظاهرة المجتمعية الخطيرة تشكل معوقاً للعملية التربوية التعليمية، وهدماً للقيم الأخلاقية.. وبالتالي خطراً يهدد البيئة المدرسية ويعوقها من القيام بأدوارها التعليمية والتربوية والثقافية.
كما من أسباب ظهور العنف ومكروباته في البيئة المدرسية (المعلم) نفسه فهو من مصادر العنف حيث إن القصور التربوي والعلمي الذي يظهر به (بعض) المعلمين.. يشكل منطلقاً أو دافعاً لبعض الطلاب غير المنضبطين نحو إثارة الشغب والفوضى والتمرد على أنظمة المدرسة لملء وقت الدرس الذي يصبح مملاً إلى درجة يفضلون فيها ممارسة الشغب والعنف فيما بينهم.. على الاستماع أو الإصغاء للمعلم وفهم الدرس، خاصة إذا كان (ضعيف الشخصية) داخل الفصل وهنا تحدث الكارثة..!!
ولمكافحة آفة التنمر داخل البيئة المدرسية.. ينبغي تفعيل (الحوار المدرسي) فهو صمام أمان والطريق الصحيح للحد من انتشار هذه الوباء السلوكي داخل المدرسة، وكذلك نشر ثقافة التسامح والتصافح والتعايش ونبذ العنف ومظاهره من خلال النهوض بقالب الأنشطة الطلابية التوعوية والإذاعة المدرسية، وأيضاً من الحلول الناجعة إعداد الخطط التنويرية والبرامج التربوية التي تهدف إلى وقاية الطلاب والطالبات من هذه الآفة.. وتحصينهم من الوقوع بالمشكلات التربوية والسلوكية التي تؤثر على تحصيلهم العلمي وبنائهم القيمي والاجتماعي.