إنَّ العملَ الخيري بجميع صُوَرِهِ في مجتمَعٍ مَا: مَعْلَمٌ مِن معالِمِ تماسُكِهِ، ومعيارٌ لقياسِ قُوَّةِ الأُخُوَّةِ فِيه؛ إذْ بِهِ يَقْهَرُ العبادُ حُبَّهُمُ اختصاصَهمْ بالخَيْرِ، فتسمُو نفُوسُهُمْ وتشْرُفُ لإيصَالِ الخيْرِ إلى غيرِهِمْ.
وهذا العمَلُ الخيريُّ إن صدَرَ من أفرادٍ متفرِّقينَ؛ كان فيه النَّفْعُ والأثَرُ المَرضِيُّ، فكيفَ إذا كان هذا العمَلُ الخيريُّ منظَّمًا وجماعيًّا؟ فإنَّ خيرَه يَعُمُّ ونفعَهُ يعظُمُ، وكيف إذا كان هذا العمَلُ الخيْرِيُّ ترعاهُ دَوْلَةٌ وتتَبَنَّاهُ حكومَةٌ؟ لا ريبَ أنَّ ذلك أعظمُ نفعًا، وكيف إذا كانت هذه الدَّولةُ هي المملكةَ العربيَّة السّعوديَّة رائدَة العالمِ الإسلاميّ، بل رائدة العالم أجمعِهِ في العمَلِ الخيريِّ؟! فإنَّ خيرَهَا قَدِ امتدَّ في العالَمِ زمانًا ومكانًا، فلم يكُنْ خيرُهَا وليدَ ساعةٍ، ولا ابنَ مناسبةٍ، بل هو خيرٌ ضارِبٌ في عمقِ التَّاريخِ، ثُمَّ إنَّه امتدَّ مكانًا فعمَّ قارَّاتِ العالَمِ كُلَّها، وشَمِلَ خَلْقًا كثيرًا انتفعُوا بهِ، فحيثمَا كنتَ -مشرِّقًا أو مغرِّبًا-؛ رأيتَ أثرَ ذلك عِيانًا.
إنَّ المبادرةَ الكريمةَ التي دشَّن عامها الثَّالثَ على التَّوالي خادمُ الحرمينِ الشَّريفين وولِيُّ عهدِه المتعلِّقةَ بالحملة الوطنيَّة للعمل الخيريّ؛ لهِيَ مبادَرةٌ جليلةُ القدْرِ، بيِّنَة الأثَرِ، وهي مندرجةٌ تحت قول الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.
هذا، وإنَّ مِن محاسن الصُّدَفِ أنْ بلغَ مجموعُ ما تبرَّع به خادم الحرمين الشريفين وولي عهده سبعين (70) مليونًا، وهذا العددُ تستعملهُ العرب في الدلالة على الكثرَةِ؛ فإنَّهم إذا بالغوا في الآحاد ذكروا السبعة، وإذا بالغوا في العشرات ذكروا السبعين، وهكذا كانت هذه المصادفةُ الجميلة دالَّةً على سخاءٍ عظيمٍ، وبذلٍ كبيرٍ منهما -حفظهما الله-، فلا جرَمَ أن يقتديَ بهما أبناءُ هذا الوطَنِ فيبذلوا تحت إطار هذه المبادرةِ الكريمَةِ.
واللهَ نسألُ أن يحفظ خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده، وأن يديم على هذه البلاد أمنَهَا ورَخَاءَها وعزَّها واستقرارَها.
** **
د. محمد بن مرضي الهزيّل الشراري - عميد كلية العلوم والآداب - الأستاذ المشارك بجامعة الجوف