د.عبدالله بن موسى الطاير
وتيرة الهجوم الإعلامي الغربي متصاعدة، وهو مؤشر على أن المملكة تحقق إنجازاً وطنياً وإقليمياً. لا نستطيع الفصل بين الصحفي والكاتب من جهة، فكره، وعقيدته وقيمه من جهة أخرى. عبث ذلك الادعاء بأن الإعلامي الغربي موضوعي، ليسوا جميعاً كذلك، فالموضوعيون منهم في الغالب عاطلو العمل أو في وسائل غير ذات انتشار. قال كاتب في صحيفة فايننشال تايمز في ديسمبر 2015م إن شيئا ما يتغير في علاقة الغرب بالمملكة العربية السعودية «يمكنك قراءته في الصحف، يمكنك سماعه من السياسيين، ويمكنك رؤيته في التحولات السياسية. المقالات العدائية عن السعوديين هي الآن من الأمور المعتادة في الصحافة الغربية «.
يصف الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- الليبرالية الديمقراطية بأنها «معتقد يؤمن به الإعلام الغربي وهي دين في مواجهة الديانات جميعاً، ويتصرف الإعلامي الغربي من خلال هذه المرجعية». مضيفاً بأن نظرة الإعلاميين الغربيين إلى المجتمعات التي لا تسود فيها الليبرالية الديمقراطية تتراوح بين العداء العابر والكراهية العميقة. ويختم بأنه «لا يمكن أن يغير الصحفي الغربي عقائده الليبرالية إلا إذا غير المسلم المتدين عقيدته الدينية». والواقع أن الليبرالية الديمقراطية في عداء حتى مع المتدينين المسيحيين وتعتبرهم متخلفين ورجعيين.
الإعلام الغربي يتخذ مواقف عدائية ضد المملكة، ومعظمها ليس عارضاً، ولا يمكن التعامل معها بحملات مضادة، ولا بعلاقات عامة دولية ولا من خلال الدبلوماسية العامة، إنها عقيدة يصعب التزحزح عنها، أقول ذلك بعد رصد ومتابعة متصلة منذ عام 1990م؛ في ذلك العام كانت الكويت محتلة، والصواريخ تقصف الرياض والمدن السعودية، وكانت إذاعات الغرب العابرة للقارات تهاجم السعودية كما يفعل المتظاهرون في شوارع العواصم الأوروبية وكبريات المدن الأمريكية. لم يكن هناك استحقاق للموضوعية أكثر من ذلك الوقت، ومع ذلك لم تستفز الحقيقة حياديتهم أو تستدر صدقهم.
ما يكتب عن السعودية في الإعلام الغربي أسوأ مما يكتب عن دول محور الشر، وما يتفق العالم على أنه قيمة مضافة لأي دولة كالنفط والدين هما قاعدة الهجوم المتجدد على السعودية، إن ارتفعت قيل إن السعودية تتسبب في كساد اقتصاديات الدول الصناعية، وإن انخفضت الأسعار قيل إن السعودية تضر بمصالح منتجي النفط الأمريكيين، وإن تفشى نمط متطرف من الدين، استدعته لحظة تاريخية كتسخير أمريكا الدين لهزيمة الخطاب الشيوعي، قيل إن المملكة راعية التطرف، وإن سعت السعودية إلى نشر الاعتدال والوسطية وقوضت الخطاب المتطرف اتهمت بأنها تقمع الحريات وتسجن الناس بسبب أفكارهم. إن تمسكت السعودية بمحافظتها الاجتماعية قيل عنها بلد رجعي متخلف تقمع النساء، ولديها شرطة دينية مسلحة تجوب الشوارع، وإن اتخذت سياسات أكثر انفتاحاً وعملت على تمكين المرأة قيل إن السعودية تحارب الإسلام وتتخلى عن مبادئها.
عندما يخوض السياسيون معاركهم الانتخابية تكون سمعة السعودية هي المنشفة التي يمسحون فيها خطاياهم ليتطهروا أمام الناخبين وبذلك يوفرون للإعلام مادة مثيرة يستخدمها وفقاً لأجندته ومرجعيته الثقافية أو السياسية أو الأمنية، فإذا تبوأ السياسي منصباً كرئاسة الدولة أو الوزراء لجأ إلى السعودية لدعم بقائه في الحكم. أسواق السعودية الاستهلاكية، ونفطها ومشتريات أسلحتها واستثماراتها تضخ الازدهار في عصب الاقتصاديات المحلية للدول التي تشتمها في إعلامها، وتعاونها غير المحدود في مكافحة الإرهاب يُؤمّن نوما هادئا في العواصم الغربية.
قالت رئيسة وزراء بريطانيا في ديسمبر 2016م: «هناك معلومات قدمتها السعودية أنقذت بريطانيا من العمليات الإرهابية».
عندما تستقر العلاقة مع الأحزاب الحاكمة وفق المصالح المتبادلة، يكون ذلك لحظة تحول في الخطاب الإعلامي بحيث يتبنى رأي الأحزاب المعارضة التي تنتقد أداء الأحزاب الحاكمة وتشن حملة من التشنيع على حلفائها الأجانب كالسعودية على اعتبار أنهم يساعدونها على البقاء في السلطة. هكذا هي العلاقة مع الإعلام الغربي سيئة من طرف واحد في السراء والضراء، وتكون السعودية في كل الحالات المأكول المذموم.
من كان منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر، تلك مقولة مقتبسة من الثقافة المسيحية؛ إن كنتم في الغرب بدون خطايا فواصلوا رجم السعودية، أما إذا كان لديكم ما يكفي من الأوزار، فإن الموضوعية المهنية تقتضي الانشغال بها.
الحملات الإعلامية غير المبررة على السعودية تعكس فكراً وعقيدة وانتماءات حزبية وفكرية وفسادا وولاءات خارجية، وبسبب إصرارها على خطاب عدائي في كل الظروف ضد المملكة أيقظت تلك التغطيات الصحفية الوعي الوطني السعودي وجعلته متحفزاً للتكذيب والرد عبر منصات شبكات التواصل الاجتماعي. لم يعد ممكنا إدارة الخد الآخر، وإنما صفعة بصفعة والبادئ أظلم.