عبدالرحمن الحبيب
القراءة من الإنترنت عظيمة النفع، لكن الاعتماد عليها فقط له آثار جانبية، فرغم أن الإنترنت يعطينا معلومات فورية عن الأحداث العالمية والتطورات في شتى مناحي الحياة بطريقة سهلة وجذابة، إلا أن الكميات الضخمة من المعلومات وسرعة التنقل بينها وتعدد المهام تشتت التركيز وتؤدي إلى تفكير وفهم أقل من القراءة المطبوعة حسبما أوضحت الكثير من الدراسات، لكنها بالمقابل أشارت إلى أن الكتب الإلكترونية والتكنولوجيا الرقمية المصممة بعناية وجاذبية هي مفيدة جداً وقد تكون أفضل من المطبوعة خاصة للقراء من الأطفال ومن غير الراغبين في القراءة.. وبالمحصلة تشير الدراسات إلى أن الخلط بين القراءة من الإنترنت والمطبوعة هو الأفضل للطلاب حسب استعراض ليزا ألكوت اخصائية القدرات في المدارس النيوزيلاندية.
فإذا تجاوزنا المعلومات المتحيزة والمضللة التي يزخر بها الإنترنت فإن كثرة المعلومات لا تعني كثرة المعرفة بل قد تعني قلتها لأن السرعة التي يتم بها الاطلاع على الأحداث تمنحنا القليل من الوقت للتركيز ولتقييم المصادر أو التفكير النقدي أو التعمق في الفكرة كما تقول سوزان جرينفيلد أستاذة الأعصاب بجامعة أكسفورد (حلقة التكنولوجيا والعقل البشري).
تشير ألكوت إلى أن تلك القضية تعتبر أكثر إلحاحًا بالنسبة للطلاب الأصغر سنًا لأن تكيفهم مع العالم الرقمي سريع وقد يغير عقولهم ويؤثر في قدرتهم على تطوير هذه المهارات، فمرونة أدمغتنا بقدرتها على الاستجابة والتكيف مع بيئتنا تشجع على اكتساب خصائص الوسيلة التي نقرأ بها. وتستشهد ألكوت بأبحاث أجراها كوفمان وفلاناغان (2016) التي وجدت أن الطلاب الذين يقرؤون رقميًا حققوا أداءً جيدًا في الإجابة على الأسئلة الملموسة المباشرة، لكن كان أداء أولئك الذين يقرؤون في المطبوعات أفضل في الأسئلة المجردة العميقة التي تتطلب تفكيرًا استنتاجيًا.
دماغ الطفل لديه مرونة عالية للتكيف مع البيئة، فإذا كان في بيئة سريعة جداً في القراءة، تتطلب القليل من التركيز وتشتت الانتباه حيث ينتقل بين المواضيع دون تعمق، سوف يتكيف الدماغ لزاماً على ذلك.. ثم بعد ذلك، إذا نقلت نفس الطفل إلى بيئة حيث يتعين عليه التركيز لفترة طويلة من الوقت، فلن يتدرب على هذه المهارة ولن يكون جيدًا فيها (سوزان جرينفيلد).
بالنسبة لطلاب الجامعة فإن زيادة قراءة المواد على الإنترنت كان له تأثيرات إيجابية وسلبية، فقد أدى إلى تحسين سرعة القراءة وتحسين القدرة على كشط المعلومة والتقاطها، لكن شمل أيضاً قلة الصبر على القراءة وتعدد المهام والإلهاء والتشتت، وإجهاد العين، والمسح السريع المتقطع بدلاً من استمرار القراءة بذات الموضوع (في المطبوع، 82 % من المشاركين يقرؤون من البداية إلى النهاية)، حسب دراسة الباحثان هوبر وهيراث، 2014.
لكن نفس هذين الباحثين وجدا أيضًا أنه مع الكتب الإلكترونية المصممة بعناية لدعم القراءة بدلاً من تشتيت الانتباه مع الميزات الترفيهية، كان فهم الأطفال للقصة على مستوى مماثل؛ بل وجدا أن الكتب الإلكترونية والتكنولوجيا الرقمية جذابة جدًا للقراء المترددين، ومفيدة للذين لديهم صعوبة تعلم والذين يتعلمون اللغات الأجنبية..
في ذات السياق، يشير استعراض للدراسات (لوبيز وآخرون، 2021) حول تأثير الكتب الإلكترونية على قراءة الأطفال، إلى أنه «عندما يتم اختيار الكتب الإلكترونية واستخدامها بعناية سليمة، فإن الأطفال يطورون مهارات القراءة والكتابة بشكل جيد وفي بعض الأحيان أفضل من الكتب المطبوعة. كما لاحظ المؤلفون أيضًا أن: الأطفال الذين يعيشون في سياق محروم، والمعرضين لخطر صعوبات التعلم، ومتعلمي اللغة الأجنبية استفادوا من جميع تدخلات الكتب الإلكترونية التي تمت مراجعتها، والتي حسنت بشكل كبير مهارات القراءة والكتابة لديهم، فيما يتعلق بمفاهيم الطباعة والوعي الصوتي والمفردات وفهم القراءة، كما يمثل التعلم الرقمي وقراءة الكتب الإلكترونية استراتيجية تعويضية محتملة لهؤلاء الأطفال.
في دراسة حول تأثير قراءة النصوص الرقمية مقابل قراءة النصوص المطبوعة على تطوير فهم القراءة لدى متعلمي اللغة الإنجليزية كلغة أجنبية، أوضحت النتائج أن كلا من النصوص الرقمية والمطبوعة ساعدت المشاركين على تحسين فهمهم للقراءة، لكن النصوص الرقمية كانت أكثر فاعلية من النصوص المطبوعة. وأوصت الدراسة معلمي اللغة الإنجليزية والمتعلمين على حد سواء باستخدام النصوص الرقمية في التدريس والتعلم (ميلسا سيدابوتار وآخرون، 2022).
كما أن القراءة عبر شاشة الإنترنت لها فوائد في مهارة الاطلاع السريع على الكثير من المعلومات، وسهولة العثور على المواد والمواضيع المطلوبة، وحتى ظهر أنها تحسن القدرة على القيام بمهام متعددة أثناء القراءة، إضافة لفوائد أخرى مثل القدرة على القراءة في الظلام، وتوفير الورق، حسبما تشير أبحاث بارون (2013 - 2015).
القراءة المطبوعة والقراءة عبر الإنترنت أصبحت أساسية في الحياة اليومية للطلبة، كلاهما لا غنى عنه، وليست خياراً بين الأثنين، بل المزج بينهما بعناية، فالأمر يتعلق بكيفية تحقيق أقصى استفادة من كل منهما. لذا تقترح أستاذة الأعصاب ماريان وولف، أننا بحاجة إلى تعليم طلابنا أي وسيلة تناسب الغرض الذي نقرأ من أجله.. وأقصى أمل لها في مستقبل القراءة لدينا هو عقل «ثنائي القراءة» أي العقل الذي يستخدم المهارات المثلى لكل أسلوب قراءة حتى يتمكن الطلاب من القراءة بعمق عبر الإنترنت كما في القراءة المطبوعة..