حيث تعتبر العقيدة الإسلامية من أهم المصادر التي تؤثِّر في سلوك المرء وفي تصرفاته، وفي علاقاته مع الآخرين، وفي علاقته مع نفسه.
فالعقيدة الإسلامية هي العقيدة التي اكتملت لها كل مقوِّمات الكمال والشموخ والعلو لاشتمالها على كل العوامل التي ترتقي بالإنسان نحو الأفضل والأحسن، فقد نظّمت علاقة الفرد المؤمن مع ذاته، ومع مجتمعه، ومع رب هذا الكون العظيم -جلَّ شأنه - فالدعاء سمة من سمات الرُّوح التي تعيد الأمن والأمان، وصفاء النفس، وراحة البال، مما يجعل المرء في حالة تواصل مستمر مع ربه فقد حث الإسلام على الدعاء فهو مخ العبادة، ومظهر من مظاهر التوحيد، لأن الفرد يدعو ربه بتضرع وخشوع وخضوع في كل وقت وحين.
ويقول الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} سورة غافر آية (60).
فالدعاء عبادة روحية يحس فيها الإنسان بعظمة الخالق عزَّ وجلَّ، حيث يلجأ العبد المؤمن إلى خالقه ورازقه بعد أن تنقطع عنه الأسباب وتعجز عنه الحيل وتتخلَّى عنه الماديات، فيتوجه إلى الله ليجد ما لم يجده عند البشر من عطاء وخير وإحسان ورحمة، فالدعاء علاج يستريح به النفس البشرية القلقة وتطمئن وتركن إلى بارئها في كلمة ضارعة، وتسأل فيه العون والمساعدة والنجاة وصد البلاء فهو سلاح المؤمن كما روى الحاكم في مسنده من حديث على بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:- (الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين ونور السماوات والأرض).
كما قال تعالى في محكم كتابه: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} سورة الأعراف آية (55). وقال جل ثناؤه: {فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} سورة غافر آية (65).
عندما يتأمل المرء في كتاب الله العظيم ، يدرك تمام الإدراك أن هناك آيات قرآنية عديدة تحث الفرد المؤمن على الدعاء والتقرب إليه فهو الرحمن الرحيم، الذي يغفر الذنوب.
كما قال -جلَّ شأنه -: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} سورة البقرة آية (186).
ولفضل الدعاء، كان للأنبياء والرسل، دعوات وابتهالات أكثروا منها وألبسوها جمال الأسلوب، ورقة العبارة وزينوها بالخشوع والخضوع والتضرع، وكان لنبي هذه الأمة المحمدية دعوات طيبة في شتَّى المناسبات المتعدَّدة، ومن دعائه صلَّى الله عليه وسلَّم (اللهم ارزقني عينين هطالتين تبكيان بذروف الدموع، وتسفيانني من خشيتك قبل أن تكون الدموع دماً والأضراس جمراً).
فقد أبدع الشعراء في قصائد الدعاء والمناجاة والتضرع، حيث تقف شامخة قوية في وجه من يتهم الإسلام بأنه أحجر الشعر، وأضعف بنيانه. فقد قال أبو العتاهية هذه الأبيات:
إلهي لا تعذبني فإني
مقرُّ بالذي قد كان مني
فمالي حيلة إلا رجائي
لعفوك إن عفوت وحسن ظني
يظن الناس في خيراً وإني
لشرُ الخلق.. إن لم تعفُ عني
وقال أبو نواس:
يا رب.. إن عظمت ذنوبي كثرة
فلقد علمتُ بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجوك إلا محسن
فبمن يلوذ ويستجير المجرم
أدعوك رب كما أمرت تضرعاً
فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
مالي إليك وسيلة إلا الرجا
وجميل عفوك.. ثم إني مسلم
الله سبحانه وتعالى يحب الملحين بالدعاء كما قال نبي الأمة محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه: (من لم يسأل الله يغضب عليه).
وختاماً نسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما فيه الخير، وأن يحقق للأمة الإسلاميَّة التقدم والتطور والازدهار.
إنه سميع مجيب.