د.إبراهيم بن عبدالله المطرف
جاء في كلمة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز سلمه الله «أن مهمتنا الأولى اليوم كمسؤولين ومواطنين، أن نتكاتف لتوصيل الصورة الحقيقية للإسلام، وعرض ديننا العظيم بخلقه وعلمه وعمله، في مواجهة التفسيرات الخاطئة».
وهو ما قدمته في العديد من المقالات ذات الصلة، تيمنًا بما جاء في الكلمة السامية لمولاي أمد الله في عمره، وفي محاولة لإيضاح رأي شخصي علمي من إحدى قضايانا الإسلامية المعاصرة الهامة جداً، ألا وهي مسألة تصحيح صورة الإسلام.
فمهمة تصحيح الصورة الذهنية والنمطية عن الإسلام، لا تقع على عاتق شخص معين، أو جهة معينة، فهي مسؤولية المسلمين جميعاً، دولاً وحكومات، وهيئات إسلامية وجمعيات أهلية. وهي أيضاً مسؤولية الجماعات الحاملة للمشاريع الإسلامية على اختلاف مناهجها الفكرية، تلك المشاريع التي ينبغي أن تقدم الصورة الأمثل عن الإسلام.
وفي الوقت ذاته، هي مسؤولية حتمية على علماء العقل والفكر والعقيدة، الذين يتوجب عليهم أن ينشروا فكراً توعوياً، يبرز الصورة الحقيقية للإسلام من جهة، وكيف، من جهة أخرى، ينبغي أن تتكاتف الجهود الرسمية والأهلية في تحقيقها.
ولقد ثبت أن تجارب الهيئات والمنظمات الإسلامية في تصحيح صورة الاسلام، وبما لا يدع مجالاً للشك، أنها تجارب غير منتجة كما ينبغي، ويعود أهم المسببات في ذلك لأنها «كانت ولا تزال» تعمل بعيداً عن مشاركة القطاعات الأهلية الإسلامية بالشكل المطلوب. وفي هذا أيضاً، فقد أثبتت الدراسات العلمية جدوى «العمل التكاملي» مؤكدة على أن تفعيل الحوار قد تأخر كثيراً نتيجة لضعف الجهد والأداء.
وأرى أننا في العالم الإسلامي المعاصر، نحتاج إلى التعامل مع أكثر من جانب يتعلق بتصحيح صورة الإسلام. فنحن بحاجة إلى أن نرتقي بجهودنا الأهلية، ونوحد جهود مؤسساتنا الإسلامية خدمة لذلك التوجه، ناهيك عن الحاجة لأرضية مشتركة من التعاون بين مؤسساتنا الإسلامية، بما فيها الأهلية، مع الغرب الرسمي والأهلي، لمكافحة التعصب الديني الـislamophobia والثقافي أيضاً، وأن علينا أن نستغل ذلك الرصيد المتراكم من العلاقات مع الغرب لتحقيق هدف تصحيح صورة الإسلام، من خلال إيضاح حقيقة أن هناك «رأياً إسلامياً عاماً» يحبذ الحوار والتواصل مع الغرب، الغرب الذي يمثل أهم وأقوى أنظمة معاصرة، ومؤثرة سياسياً واقتصادياً وتقنياً وعسكرياً
وأرى أيضاً أنه ينبغي علينا أن ندفع بالاهتمام بموضوع تصحيح صورة الإسلام بين شرائح مجتمعاتنا الإسلامية نفسها، وأن نستفيد من الجاليات الإسلامية والمبتعثين الذين يمكن أن يلعبوا دوراً إيجابياً، وأن نشجع ونحفز القطاع الخاص على دعم ومساندة جهود تصحيح صورة الإسلام، وهو القطاع الذي لمست عن قرب، استعداد بعض رجاله المخلصين لدعم ذلك التوجه السامي النبيل.
أما نخبنا الفكرية في العالمين العربي والإسلامي، فنحن في حاجة لبناء دور مستقبلي لها في دعم الجهود التي تؤسس لتوسيع دوائر الاتفاق، وتقليص دوائر الاختلاف، أملاً في تعزيز التلاقي من جهة وتصحيح صورة الإسلام من جهة ثانية.
وأذكّر القارىء الكريم، بأن العمل على تصحيح صورة الإسلام ليس بالأمر الهين، فنحن أمام عملية تتطلب مواجهة الآخر بمنطقه، ومخاطبته بلغته، ما يتطلب الكثير من الوقت والجهد لتحقيق هدف أساسي في العملية التصحيحية، ممثلاً بالرصد والاستقصاء وجمع المعلومات، بهدف إدراك كل الأبعاد والمستجدات والتحديات.
وفيما يخص متطلبات تصحيح صورة الإسلام، فإن الأمر يستلزم كامل استيعابها، ومن أهمها أن نملك حسن البيان والمجادلة بالتي هي أحسن، والقناعة بجسامة المسؤولية، آخذين في الاعتبار العقلية الغربية ونمط تفكيرها.
ومن الضرورة بمكان، تجنب أسلوب الانفعال في إيصال المعلومة، وأن نتبنى أسلوب الإقناع والإيضاح، وقبل هذا وذاك، أن نلم بأكبر قدر من الواقع الاجتماعي والديني للمجتمع الغربي بأبعاده وشرائحه ومكوناته.
ولكون الكاتب قارئاً ومتابعاً لموضوع العلاقة بين الإسلام والغرب كدارس للشأن الدولي، فإنه يرى أهمية قصوى لتكثيف الجهود التي تبذلها المنظمات والهيئات الإسلامية، ويتطلع إلى تأسيس واضح وشفاف لكيفية إفادة المنظمات الإسلامية من مكوناتها المجتمعية في دعم جهودها في تصحيح صورة الإسلام، بتوفير ما تتطلبه تلك المشاركة من إمكانات تمكنها بالقيام بدورها على الوجه الأكمل.
ونذكّر المنظمات الإسلامية بحقيقة أن «الدور الإسلامي الأهلي» في مسيرة تصحيح صورة الإسلام، وبمختلف تخصصات ومهن مكوناته وفئاته، «يمثّل واجباً دينياً وضرورة ثقافية»، فضلاً عن كونه «مطلباً تمليه عليه عالمية الرسالة الإسلامية» التي تقوم عليها علاقته بالآخر من جهة، و»مسؤولية تبليغ حقائق الإسلام وإبراز صورته» من جهة أخرى.
ولتحقيق ذلك المطلب وتمكين المجتمع الأهلي الإسلامي من القيام بذلك الدور، أدعو إلى ملتقى يجمع قادة المنظمات الإسلامية والهيئات التابعة لها ذات العلاقة، وبحكم مسؤولياتها ومهامها واختصاصاتها، أدعوهم إلى ملتقى لمناقشة الدور المتوخى من المنظومة الأهلية الإسلامية في دعم جهود «تصحيح صورة الإسلام في الغرب» على وجه الخصوص، أملاً في إطلاق مبادرة أهلية تؤسس لجمعية تمكن المجتمع الأهلي في العالم الإسلامي من القيام بواجبه الديني كما أسلفنا.
ولعلي أختم بالقول بأنه قد تبين من المحاولات والجهود التي تبذلها المؤسسات الإسلامية شبه الرسمية في العالم الإلامي، بأن هناك حاجة «ملحة وآنية» لمشاركة مؤسسات المجتمع الأهلي في دعم جهودها في تصحيح صورة الإسلام في العالم بشكل عام، وفي الغرب على وجه الخصوص، وإنه قد تبين أيضاً بأن جزءاً لا يتجزأ من مسؤولية تصحيح صورة الإسلام في العالم وتعزيز العلاقات به، يقع على «عاتق المجتمعات الأهلية» في العالم الإسلامي، التي يرى كل فرد فيها بأنه «سفير للإسلام» في خدمة هذه القضية الجوهرية.والله من وراء القصد،،،