سلمان بن محمد العُمري
كانت الناس في السابق تحذر من ارتياد الأسواق والمولات وأماكن التسوق العامة والسوبر ماركت إلا للضرورة لأنها محفزة على التسوق والاستهلاك الزائد، ولكن الطامة الكبرى الآن في التسوق الإليكتروني الذي أصبح في متناول الجميع ويستخدمه الصغير والكبير والغني والفقير، والظروف الاقتصادية للأفراد والجماعات والمجتمعات والدول اختلفت عن ذي قبل، ومع ذلك فإن الوضع الاستهلاكي لدى الكثير من الناس لا يتغير طوال العام أو في بعض المواسم التي يصحبها الحمى الاستهلاكية كشهر رمضان والأعياد والإجازات، والواجب علينا أن نتعايش مع الوضع الاقتصادي وأن نراجع سلوكياتنا وعاداتنا في الاستهلاك والشراء والأكل؛ فالمداخيل لم تعد كما كانت في السابق مع زيادة أسعار السلع ووجود القيمة المضافة والاعتماد على الراتب الثابت.
ونحن مأمورون بالاعتدال في المأكل والمشرب والبعد عن التبذير والإسراف حتى وإن وجدنا المال الوفير وتوافرت لدينا القدرة المالية، ولكن المؤسف تفشي الظاهرة السلبية عند الكثير للأسف وهي غير سليمة بكل تأكيد ونحن نلمس ذلك في مواسم الأعياد وغيرها فنجهد أنفسنا بشراء ما نحتاج وغير ما نحتاج من الملابس والمأكولات والمواد الترفيهية والسفر وما يصاحبه من مصاريف ونفقات، بل ربما اتجه البعض للشراء والسفر عن طريق الديون والسلف والقروض، وقد يحدث بعد ذلك تعثر في السداد ويؤول حال المقترض للإيقاف أو وقف الخدمات وزيادة المشكلات الاقتصادية وتراكم الديون، إن لم تكن سبباً من أسباب المشكلات الأسرية والخلافات الزوجية لاحقاً، بل الطلاق حينما يعجز الزوج عن الوفاء بمتطلبات الأسرة فيما بعد نتيجة لكثرة ما عليه من مطالبات، أو أن يلجأ للطلاق حينما يرى أن الزوجة كانت سبباً في وصوله لهذه الحالة لإصرارها ومطالباتها ببعض المصروفات أو السفر فيما سبق.
ومع سهولة التمويل لم تعد القروض قاصرة على الرجال، فأصبحت النساء تقترض فوق طاقتها ومداخيلها إن كان لها دخل ثابت لا لشراء حاجات رئيسة، بل لتأمين كماليات أو إجراء عمليات تجميلية أو لغرض السفر، ومحاكاة (مشاهير الفلس) الذين يقدمون للناس صورة زائفة وجميع ما يرتدونه أو يرتادونه هو على حساب مؤسسات وشركات ويبيعون الوهم والأحلام الزائفة على السذج والمغفلين.
إن الواجب ترشيد الاستهلاك المنزلي اليومي وعدم المبالغة في المصروفات والنفقات في الحياة المعيشية اليومية أو في الأمور الأخرى كمناسبات الزواج والأعياد والاجتماعات الأسرية أو الأصحاب والصديقات، وتجنب التبذير و(الفشخرة) ومحاكاة الآخرين أو الرغبة في التميز عنهم، ومن المفترض على أولياء الأمور اتخاذ قرار صارم في تبني سياسة الادخار والحد من الاستهلاك بقدر الإمكان، والعمل على تغيير السلوك الاستهلاكي، والتوقف-عن شراء الأشياء غير الضرورية والحد من المصاريف الإضافية، ومن الظواهر السلبية في الاستهلاك وزيادة المصروفات مؤخراً كثرة الذهاب لتناول الأكل في المطاعم أو تناول القهوة في المقاهي ومحلات الكافيهات.
وما يقال عن ترشيد النفقات في المأكل والمشرب ينطبق كذلك على وجوب ترشيد نفقات الخدمات الأساسية كالكهرباء والماء ووقود السيارة والهاتف النقال وعدم الإسراف في استخدامها وتعويد الأبناء على توفير وترشيد النفقات في الخدمات قدر الإمكان توفيراً للفواتير، والأب والأم هم القدوات لأبنائهم في هذا الأمر ويجب تنفيذ ذلك ترغيباً وترهيباً، والبعد عن التكلف فقديماً قالوا (التدبير نصف المعيشة). ويجب الاكتفاء بالضرورات والاستغناء عما دون ذلك، والتأكيد على عدم شراء أي مستلزمات مرتفعة القيمة لا لسبب سوى علامتها التجارية، واستثمار المبلغ المزمع إنفاقه في أدوات استثمارية من شأنها زيادة الدخل، وكما قال وزير التجارة الفرنسي الأسبق (الماركات هي أكبر كذبة تسويقية صنعها الأذكياء لسرقة الأثرياء فصدقها الفقراء)، وأن يتم وضع ميزانية تتناسب مع مداخيل الأسرة إيراداً ومصروفات وأن يكون هناك خطة للتوفير وتحديد نسبة معينة من الدخل لمواجهة مايستجد من المتطلبات وماقد تواجهه الأسرة من ظروف.