الآراء والمعتقدات
جوستاف لوبون
يستفزونك ليخرجوا أسوأ ما فيك ثم يقولون هذا أنت!
مدخل:
كل من الناس له معتقد ...
ولكن ما أقل الذين يصعدون منهم إلى سماء المعرفة!
جوستاف لوبون.
يستفزك لوبون حد الجنون... يسخنك حد الاحتراق... يغلي فيك إلى الانفجار..
يقول إن كل ما تؤمن به الإنسانية خرافات، ويناقش ذلك بطرق عقلية تحرّك الذهن، وتستفز الفعل. لا أقول إني آمنت بأفكاره، ولكن هناك مما يقوله يستحق التفكير والتأمل.
يتلخص فكره بأن المنطق ينقسم إلى خمسة أنواع، منطق الحياة الذي يسيطر على بقاء الأنواع وأشكالها، ويجري بعيداً عن تأثير إرادتنا، والمنطق العاطفي وهو منطق المشاعر، ومنطق الجموع ويرى فيه المرء نفسه جزءا من الجماعة، والمنطق الديني نتيجة ما في الإنسان من روح دينية، وأخيراً المنطق العقلي وهو التأليف بين الأفكار والتمييز بين ما تشابه وما اختلف منها.
يبدأ كتابه بالتفريق بين المعتقد والمعرفة، فالمعتقد «إيمان ناشئ عن مصدر لا شعوري يُكِره الإنسان على تصديق فكرة أو رأي أو تأويل»، فهو شيء يدخل في ذهنك من أسلافك، لا تعرف كيف دخل ومتى دخل ولا تملك القدرة على منعه وقت دخوله، «فالمعتقد من عمل الإيمان، المعرفة فتتحقق بالتأمل والتجربة».
حتى في عقول العلماء المعتقدات والآراء الدينية لها ترسبات، فمع وجود عظماء من ناحية المنطق العقلي، إلا أنهم لا يزالون يؤمنون بآراء غريبة حسب المؤلف، فـ «لا مستحيل عند المؤمن». وصدق في ذلك، فقوة المعتقد أكبر من قوة العقل، فهل يقبل العقل وجود إنسان قُتل شبيهه من أكثر من 1900 سنة ولا يزال على قيد الحياة، وسوف يعود؟!. أربعة أمور لا يقبلها العقل، تجسيد تشبه مخلوق بمخلوق آخر، الرفع إلى السماء، الاستمرار في الحياة طوال هذه المدة أكثر من 1900 سنة، العودة من السماء إلى الأرض.
كل هذه أمور لا يقبلها العقل ولكن المسلمين مؤمنون بها إيماناً تاماً، وهذا ما يشير إليه لوبون بأن قوة المعتقد أقوى من قوة العقل، ومع ذلك هناك جانب عقلي مهم، فالتصديق بمعتدق دون آخر ينبع من فكرة من يصدق معي فيما أرى فسأصده فيما لا أرى، ومن يكذب على فيما أرى فتكذيبه فيما لا أرى أولى، فعندما أعلم أن كتاباً منذ أكثر من ألف سنة يتحدث عن أعماق البحار، وحالات تطور الجنين وغيرها، دون آليات وتقنيات، لا بد أن يكون ذلك دليلاً على مصداقيته، ويكون هذا طريقاً يقودني إلى الإيمان بما لا يمكن تصديقه عكس ما حصل مع النصارى عندما نفى كوبرنيكوس نظرية مركزية الأرض للكون، والتي اتخذتها الكنيسة جزءا من عقيدتها، وهذا أدى إلى اختلال المفهوم الديني عند أوروبا تلك الفترة، فلسان حالهم يقول: «كذبتم علينا فيما نرى، فكي نصدقكم فيما لا نرى».
خلاصة فكرة أنه يميل إلى أن العقل مؤثر في الآراء العلمية والفنية، ولكنه مع الأسف شبه مغيب في الآراء العقدية والدينية، وهذا يذكرني بفكرة ذكرها تولستوي حيال أن أعظم قضية للإنسان، وهي قضية الدين مطلوب منه أن يأخذها بالإيمان.
أخيراً ...
لوبون مُشَتت العقل، ومُشتِتٍ له، كاتب مستفز للعقل.
ما بعد أخيراً ...
يا مثبت العقل والدين ثبت قلبي على دينك.
** **
- خالد الذييب