لن يستطيع أحدٌ -أينما كان- أن يحجبَ عن عينيه أو عن سمعه ما يحدث في المملكة العربية السعودية، البلد الذي نهض فبنى لنفسه في سنوات قليلة اسمًا لامعًا، حتى غدت تجربته في إدارة التغيير جديرة بالدراسة والتحليل، إذ لا تزال أخبار المشروعات والإنجازات المنبثقة من رؤية المملكة 2030 تتوالى كالغيث على وطنٍ لا يزال متعطشًا للإنجاز والإبداع، يقوده إلى هدفه من قال ذات يوم: لا مكان بيننا إلا للطموحين الحالمين، وقد صدق.
إن هذه الإنجازات المتعاقبة ثمرة لجهود متضافرة من العاملين في القطاعات الحكومية والشبيهة بالحكومية ومؤسسات القطاع الخاص المختلفة، فقد سرت في العاملين في هذه القطاعات عدوى الشغف والحماسة والدقة والإتقان، وقد كان لي أن اطلعت عن قرب على شيءٍ من ذلك فرأيت عجبًا. هل هذا هو أداء الموظف السعودي الذي كان بعضهم يشكو من التزامه وجديته في أزمنة مضت؟! سيزول عنك العجب إذا علمت أن قادة هذه المنشآت هم أكثر العاملين بذلًا وتضحيةً بوقتهم.
ومما يحسن بي أن أقف عنده هنا هو النجاح الباهر في المواءمة بين إدراك الإنجاز وبين التغطية الإعلامية له، فما أكثر النشرات والمقاطع والصور التي تُعد بحرفية عالية وتنشر بذكاء لتبين للناس ما تحقق من إنجازات! وهذا أمر رائع، فالجانب الإعلامي لكل هيئة أو منشأة أو مؤسسة هو صورتها كما تحب أن يراها الآخرون.
ولا تنحصر صورة المنشأة في موادها الإعلامية فحسب، بل ثمة جانب مهم هو في ظني أولى بالعناية والتقديم، وهو الجانب اللغوي في المواد المنشورة مطبوعةً أو على الشبكة، وقد كان المرء يُعرف حزمه وعقله بفصاحته وبيانه، ولا شيء أقبح في العين من تقريرٍ يعرض إنجازات هيئةٍ ما وقد مُلِئَ بالأخطاء اللُّغوية والإملائية، أو كتب بأسلوب ضعيف تفوح منه رائحة الترجمة، أي أن النص كتب ابتداءً بلغة أجنبية ثم تُرجم إلى العربية وبقيت فيه بعض آثار اللغة الأجنبية.
من أمثلة هذه الأساليب ما اطلعت عليه في تقرير تجاوزت صفحاته 200 صفحة، لم تخل صفحة واحدة منها من خطأ إملائي أو من أسلوب ضعيف، فمن ذلك مثلًا قولهم «نُفِّذَت كافة الإجراءات»، والصواب أن يقال: نفذت جميع الإجراءات أو نفذت الإجراءات كافةً، إذ لا يجوز أن تضاف «كافة» إلى مضاف إليه. ومن الأمثلة استعمال الفعل «تمَّ» في غير موضعه، فيقولون: «تم إنجاز المشروع»، ولو قيل: «أُنجِزَ المشروع» لكان ذلك أليق وأفصح. ومن الأساليب ما كان أثر الترجمة فيها جليًّا، من ذلك قولهم: «وفي حال تأخر المشروع...»، وهي ترجمة حرفية لجملة «In Case» الإنجليزية، والأفصح استعمال أدوات الشرط في هذا الموضع، فيقال: «وإن تأخر المشروع...».
إن مثل هذه الأخطاء تبين أن الحاجة مُلِحَّةٌ إلى الاستعانة بمتخصص في التحرير اللغوي من ذوي المهارة والكفاية، ولا يجب أن يكون بُعْدُ تخصص هذه الجهات عن تخصص اللغة العربية سببًا في عزوفهم عنها أو في إهمالها، فاللغة ليست للمتخصصين فقط، هي اللسان الذي نتكلم به، وهي وعاء معارفنا وفنوننا، وقناة تواصلنا ومستودع ذكرياتنا.
وبعدُ فهذا عَتَبُ المحب ونُصْحُ من رأى أمرًا أعجبه فأراد تحسينه، وما أحسنَ أن يقترن الإنجاز بالجمال!
** **
- د.معاذ بن محمد الهزاني
m.hazzany@gmail.com