الثقافية - علي القحطاني:
يعدُّ الأديب طاهر عبد الرحمن زمخشري المولود في مكة المكرمة عام (1914م/1332هـ) أحد رواد الحركة الأدبية في السعودية، فهو صاحب أول ديوان شعري يُطبع في تاريخ المملكة العربيَّة السعوديَّة «أحلام الربيع 946م/1366هـ»، ومن أكثر الشُعراء السعوديين غزارةً في الإنتاج حيث صدر له أكثر من 20 ديوانًا شعريًا، وأصبح شِعرُه موضعًا لدراساتٍ أكاديمية في الجامعات السعوديَّة والعربية، وعُدّت أعمالة الأدبية أحد أهم المدارس الشِّعرية المكِّية في القرن العشرين، وأطلق عليها المدرسة الرَّبيعية الحجازيَّة نسبةً إلى الشَّاعر عمر بن أبي ربيعة، وتميز بأنه جمع بين الأدب والفنِّ والإعلام والإدارة؛ فقد تنقَّل في عددٍ من الوظائف الحكوميَّة على مدى 20 عامًا، وهو أحد المؤسسين للإذاعة السعودية منذ انطلاقتها في العام 1368هـ/1949م، التي من خلالها اكتسب لقب «بابا طاهر» ببرنامجه «ركن الأطفال» وعُدَّ به رائدًا لأدب الطفل في بلادنا، فضلاً عن إثرائه للسَّاحة الفنيَّة بإسهاماته الموسيقيَّة وكلماته الغنائيَّة، حيث أسَّس أول فرقةٍ موسيقيَّةٍ للإذاعة، وكتب أكثر من 200 نصّ غنائي وتبنى العديد من الفنانين محلياً وإقليميًا منهم الفنان طلال مداح ومحمد عبده، غازي علي وغيرهم.
تنقل وأقام في عدد من الدول العربية منها مصر، لبنان وتونس، كرمته المملكة العربية السعودية بجائزة الدولة التَّقديريَّة للأدب من خادم الحرمين الشَّريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود - رحمه الله - عام 1405-1985م، والحكومة التونسية بوسامين (وسام الاستقلال من الدرجة الثالثة عام 1966م، ووسام الجمهورية الثقافي من الصنف الثاني عام 1974م)، وتُرجمت بعض قصائده إلى اللُّغات الإنجليزيَّة والألمانيَّة والفرنسيَّة بطلبٍ من هيئة اليونيسكو التي منحته الأسطوانة الذهبية.
توفي في العام 1407هـ - 1987م في مدينة جدة ودفن بمسقط رأسه مكة المكرمة بمقبرة المعلاة تاركًا خلفه إرثًا أدبيًا يكاد أن يندثر، وقد عكف سبطه الرابع من كبرى بناته سميرة طاهر زمخشري الكاتب والمؤلف محمد توفيق بلو على جمع ذلك الإرث وتدوين سيرة حياة الأديب تخليدًا لذكراه.
«الجزيرة» التقت «بلو» لتسلط الضوء على ما تم إنجازه من ذلك المشروع والكشف عن جوانب جديدة من حياة الأديب وأعمالة لم يكشف عنها النقاب من قبل.
«البداية»
* متى وكيف بدأت فكرة جمع إرث الأديب؟
- مع بدء أيام العزاء في 3 شوال 1407هـ الموافق 29 مايو 1987م وعلى ضوء ما لاحظته من اهتمام وزخم إعلامي وأدبي لتغطية وفاته والشخصيات التي حضرت مراسيم العزاء بادرت على مدى نحو شهر كامل بتتبع وشراء الصحف والمجلات التي كتبت عنه وحفظها لتكون مرجعًا معلوماتيًا لي عنه سواء من أحاديث الذكريات أو المقالات أو قصائد الرثاء، فقد تضمنت الكثير من المقالات التي نشرت آنذاك الكثير الذي لم أكن أعرفه عنه خصوصاً ذكرياته التي لم أحضرها، فقد فتحت عيني عليه وأنا في الخامسة من عمري عندما انتقل للعيش معنا في بيتنا بحي الشرفية عقب وفاة والدي - رحمه الله - حيث تولّى رعايتي وإخوتي ووالدتي.
وعلى مدى الأشهر التالية قمت بجمع ما ترك في البيت من مكتبة كتبه ومجلداته، والقصائد المبعثرة ودواوينه (مجموعة النيل، مجموعة الخضراء، رباعيات صبا نجد، ومخطوطات مجلدة لبعض قصائده)، وأسست مكتبة منزلية للاحتفاظ بها على أفضل ما يكون بعد ما قمت بتنظيفها وتعقيمها من العثةً، وجمع ما أمكن الوصول له من أشرطة فيديو وكاسيت، وتحسين جودتها قدر ما أمكن وحفظها كأرشيف مرجعي أيضًا.
«الأعمال الكاملة»
* حدثنا عن أولى إصداراتك عن جدّك الأديب طاهر زمخشري - رحمه الله - وماذا عن الأعمال الكاملة للراحل؟
- مع تواصل العديد من الطلبة والباحثين معي بحثًا عن معلومات عن الأديب وأعمالة، حيث إن دواوينه كانت قد شحت من الأسواق ولم يكن هناك أي كتب منشورة أو مؤلفة عن سيرة حياته بتأليف كتاب عن سيرة حياته مستعينا بمقالات الصحف والمجلات التي جمعتها، وإجابات الاستبانة التي وزعتها على كل من كنت أعرف أن له صلة علاقة به ومن بينهم الأديب الشيخ عبد المقصود خوجة - رحمه الله - الذي أرسل إليَّ مجلدي الجزء الأول والثاني لاثنينيته فاعتمدت عليها كمصدر رئيس فيما تضمنه الكتاب الذي صدر في العام 2005م، بعنوان «الماسة السمراء.. بابا طاهر زمخشري القرن العشرين». وقد شبهته بالماسة كتعبير مجازي لما اتصف به الأديب، والسمراء نسبة للون بشرته، وبابا طاهر اللقب الذي كان يحب أن ينادى به، وعبرت عنه بزمخشري القرن العشرين للتمييز بينه وبين العالم والمفسر الزمخشري الملقب بجار الله (محمود بن عمر بن أحمد أبو القاسم).
وكان من المفترض أن ألحق الكتاب بمشروع أدبي لإحياء إرث الأديب بإصدار 6 أجزاء أخرى من الكتاب تتناول: (كلمات أغاني بابا طاهر ومناسباتها، رائد أدب الطفل، بابا طاهر ما بين الأثير والشاشة البيضاء، رحلاته ما بين بلاد الأرز وضفاف النيل وضلال الخضراء، أشعار بابا طاهر، دراسات نقدية لشعر بابا طاهر)، كذلك إعادة إصدار قصائده في مجموعات حسب أغراضها الشعرية (دينية، وطنية، حماسية، فنية…الخ).
ولكن شحّ المعلومات ومحدودية الإمكانات فضلاً عن انشغالي بتنمية وتطوير مشروعي الموازي آنذاك «جمعية إبصار الخيرية للتأهيل» و»خدمة الإعاقة البصرية» حالت دون استمراريتي في تنفيذ المشروع.
«إرث طاهر زمخشري»
* أين وصل مشروعك الأدبي لإحياء إرث الأديب؟
- جمعتني المصادفة في العام 2013م إبان عملي في جمعية إبصار بالالتقاء بالشيخ عبد المقصود خوجة - رحمه الله - الذي كان أحد أعضاء الجمعية، فحدثته عن مشروعي وطلبت منه دعمه، وعلى الفور وافق على ذلك، ووعد بقيام منتدى الاثنينية بجمع وإعادة طباعة دواوين الأديب الشعرية وأعمالة الأخرى كافة ونشرها ضمن مجموعة مطبوعات كاملة وتوزيعها، ضمن إطار عمل الاثنينية الثقافي في جمع إرث المفكرين والأدباء الذين أثروا الساحة الأدبية السعودية المعاصرة. وعني بالموضوع والاهتمام به شخصيًا وأعلن في 28 /10/ 1434هـ الموافق 4/ 9/ 2013 م عبر وسائل الإعلام عن إطلاق مبادرة الاثنينيه لجمع التراث الأدبي للأديب الراحل طاهر زمخشري، وكاتب كل من يعرفه ممن ارتبطوا بعلاقة ببابا طاهر أو لهم مكتبات أبلغهم بالمشروع وما تم جمعه، وطالبهم بتضافر الجهود لإنجاح المشروع، والبحث عن أعمال الأديب المفقودة «في الطريق، على هامش الحياة، مع الأصيل، أغاريد المذياع، ليالي ابن الرومي، أقوال مبعثرة، أحلام، رمضان كريم، بكاء الزهر، من أوراق الزهر، رباعيات الخضراء، أغاريد الخضراء» التي قد تم حصرها بعد زيارة سكرتيره للاثنينية آنذاك د.محمد الحسن لمنزلنا، ومراجعة كل ما لدي من أعمال أدبية لبابا طاهر ووضع خطة لإعادة نشرها، ولكن ظروف مرضه وتوقف الاثنينية حالت دون استكمال المشروع.
«مواقع التواصل الاجتماعي»
* ما هي الخطوات التي قمتم بها للتعريف بالمشروع واجتذاب داعمين له؟
- بالتوازي مع تبني الشيخ عبد المقصود خوجة مشروع أحياء إرث الأديب بدأت بتوفير الاحتياجات والمتطلبات الإعلامية والأدبية للمشروع بالاستفادة من التطورات التقنية، وذلك بإنشاء حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر، يوتيوب) ضمنتها بكل ما هو متوفر لدي من مواد مقروءة ومسموعة ومرئية عن الأديب (مقالات، لقاءات، تسجيلات صوتية، أغاني، قصائد)، وخصصت وقتًا يوميًا للإجابة على استفسارات المتابعين والباحثين، وإجراء بحث عن كل ما نُشر عنه على شبكة المعلومات وجمعه، وتحقيقه، وتصنيفه. ومراجعة وتحقيق صفحة التعريف به على ويكيبيديا، وتحديث معلوماتها وتوثيقها، وكتابة العديد من المقالات الصحفية وإجراء اللقاءات التلفزيونية والإذاعية للتعريف به وبأعماله، وصولًا إلى إنشاء وإطلاق موقع إلكتروني جاري العمل على استكمال رفع محتوياته حيث سيتضمن كل ما يتعلق بالأديب من سيرته الذاتية وأعماله ومكتبة للفيديو والصور وما كتب عنه، وتم حتى الآن رفع 13 ديوانًا من دواوينه تضمنت نحو 1000 قصيدة ودليلاً للقصائد ومناسبتها، وتطلعت إلى تدشينه بالتزامن مع اليوم العالمي للشعر 2023 الذي وافق 21 مارس الماضي. فضلاً عن تقديم الدعم لعدد من الطلبة والباحثين بمعلومات ومقترحات لأبحاث بكالوريوس وماجستير لجامعة القصيم، جامعة أم القرى، جامعة الأمام محمد بن سعود بالرياض.
«إمارة طاهر زمخشري للشعر»
* ما أهم المخرجات التي توصلت إليها وأي جديد لم يعرفه الجمهور عن الأديب حتى الآن؟
- برأيي أن أهم ما توصلت إليه خلال هذا العمل الذي قمت به ويستحق أن يعرفه الجمهور خصوصاً الجيل الجديد هو إمارة الأديب طاهر زمخشري للشعر في السعودية، والتي أعلنها الأديب والوزير الأسبق د. غازي القصيبي في مطار قرطاج في زيارة رسمية كان يقوم بها لتونس في ثمانينات القرن الماضي وأبلغه بذلك، هذا ما نقله الدكتور محمد العوين عن الأديب في حديث مسجل للإذاعة السعودية أجراه معه في تونس (ذي الحجة 1402هـ/1982م) ونشر نص ذلك اللقاء في كتابه «مواجهات».
كذلك أن الزمخشري - رحمه الله - هو من أول من أطلق على جدة «عروس البحر الأحمر»، وذلك في حفل المهرجان الفني السنوي الذي أقامه فرع جمعية الفنون والثقافة بجدة على شرف م.محمد سعيد فارسي رئيس بلدية جدة آنذاك - رحمه الله - وألقى قصيدته التي عنونها بـ«عروس البحر الأحمر» وأصبح هذا الاسم متداولًا، وأعقبها بقصائد أخرى عدة في جدة وآخر ديوان شعري صدر له حمل عنوان «جدة عروس البحر الأحمر».
وأن آخر نشاط أدبي للأديب طاهر زمخشري - رحمه الله - كان مع الأطفال في حفل تكريمي له قبل وفاته بفترة وجيزة من قبل فريق برنامج «افتح يا سمسم» وجمعية الثقافة والفنون بفندق البلاد بجدة بحضور الفنان التشكيلي عبد الحليم رضوي مدير عام الجمعية آنذاك، شارك فيه مجموعة من طلبة مدارس جدة الابتدائية وفرقة أبو هلال للفنون الشعبية. وألقى فيها كلمة وقصيدة بعنوان «سمسم والوحدة الصماء» لعلها تكون آخر قصيدة نظّمها في حياته حيا فيها برنامج «افتح يا سمسم».
«مذاكرات طاهر زمخشري»
* حدثنا عن جديد أعمالكم عن الأديب طاهر زمخشري؟
-كنت قد أصدرت قبل نحو عامين كتاب بعنوان «الأديب طاهر زمخشري في سطور» صدر في العام 1438هـ/ 2018 م وهو ترجمة مختصرة عن الأديب ومقتطفات من روائع أشعاره، وخلال الأسابيع القادمة سأصدر مؤلفًا جديدًا بعنوان «سطور مضيئة من حكايات وذكريات بابا طاهر»، وهو عبارة عن مذكرات شخصية لبعض محطات حياة الأديب وأعماله مع تضمين أبيات من قصائده الشعرية المرتبطة، وكتاب آخر بعنوان «أغاني بابا طاهر مناسبات وكلمات»، وهو كتاب جمعت فيه نحو 75 نصّا غنائي للأديب ومناسبات بعضها وتوثيقها، وترجمة للفنانين الملحنين الذين أدوا وشاركوا في تلك الأعمال.
«مناشدة وزارة الثقافة»
* هل من كلمة أخيرة في نهاية هذا اللقاء؟
- أدعو وزارة الثقافة إلى رعاية الإرث الأدبي والفكري الذي خلفه الأديب ضمن خططها وبرامجها لرعاية الإرث الثقافي والحفاظ على التراث والتقاليد الثقافية في المملكة ضمن رؤية 2030م، سيما وأنها تعتبره أحد أبرز صُنّاع النهضة الثقافية في المملكة وفق تغريدتها المنشورة في حسابها على تويتر بتاريخ 03 مارس 2021م.
على أن تبدأ تلك الرعاية بجمع كل أعمالة الأدبية والفنية وإعادة إصدارها بالطرق التقليدية والإلكترونية، وإنشاء بوابة إلكترونية خاصه بها لخدمة المهتمين بأعماله، خصوصاً وأنها كنز أدبي ضخم يستلزم إحياؤه جهدًا مضنًا وتضافر جهود أسرة الأديب وأصدقائه مع المعنيين بوزارة الثقافة، على أن ينساق هذا العمل على أعمال ومنجزات رواد الأدب والفكر من الرعيل الأول الذين خلفوا إرثاً أدبياً مماثلًا يكاد أن يندثر، فللأديب (6) دواوين صدرت في مصر جمعت في «مجموعة النيل»، و(6) دواوين في تونس جمعت في «المجموعة الخضراء»، و(5) دواوين في لبنان، و(7) في السعودية جميعها نفدت من المكتبات في ظل تزايد الطلب عليها، فضلاً عن (6) دواوين مخطوطة يدويًا توفي قبل أن ينشرها، وقصائد متناثرة لم تجمع في ديوان، إضافة ما جمعته حتى الآن من نصوص غنائية بلغت نحو 75 نصًّا غنائيًا تغنى بها 29 فناناً بألحان أكثر من 25 ملحنًا، وسيرة ذاتية حافلة لم تُكتب بعد باستثناء بعض من مذكراته الشخصية التي نشرتها في مؤلفي «الماسة السمراء بابا طاهر زمخشري القرن العشرين» و»الأديب طاهر زمخشري في سطور 2018م». فضلاً عن العشرات من الأبحاث والدراسات الأكاديمية التي كتبت عنه وحفظت على أرفف مكتبات الجامعات العربية.
** **
@ali_s_alq