د.منال بنت عبدالعزيز العيسى
صدر القرار الملكي بانضمام جامعة الملك سعود للهيئة الملكية لمدينة الرياض، وهذا يعني الكثير في مستوى الواقع والطموح، ولعل أولى مراحل الطموح إعادة تقويم الذات؛ كون سقف طموح الجامعة قد ارتفع بحيث يتوافق والمكرمة الملكية بانضمام الجامعة للهيئة الملكية للرياض، بحيث تصبح الجامعة الملكية السعودية الأولى التي حظيت برعاية سيدي ولي العهد وبرئاسته المباشرة -حفظه الله.
كما صدر قرار الجامعة بتحويل كلية الآداب لكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، في نقلة لا تتوقف عند المسمى بل ينبغي أن تتجاوزها لإعادة هيكلة الأقسام بشكل كامل سواء أكان ذلك في المناهج أم الرؤية أم القوى البشرية أم المخرجات العلمية المتوقعة منها، وفي ظل تلك التغييرات أعتقد أننا نواجه عددًا من التحديات في جامعة الملك سعود وتحديدًا في كليات العلوم الإنسانية والاجتماعية التي ينبغي عرضها ومناقشتها ثم طرح الحلول المتوافقة وتلك التحديات، ومنها:
- الفجوة بين سوق العمل الواقعي والمخرجات العلمية لتلك الأقسام، بحيث غدت أقساما تنظيرية تعيد وتكرر نظريات ومناهج بعيدة تماما عن سوق العمل السعودي في ظل هيمنة العلوم التجريبية والحاسوبية وبالتالي قلة حاجة السوق السعودية والعربية والعالمية للدراسات الإنسانية والاجتماعية، وهذا يطرح تحديا خطيرا يطرح السؤال التالي: ماذا ستقدم تلك الأقسام للسوق السعودية وفق القاعدة الاقتصادية: العرض والطلب؟
- الانكفاء على الذات محليا وعربيا وعالميا، وغياب الشراكات العلمية الفاعلة والمحركة للبحث العلمي.
- ضعف المستوى التدريبي المهني لبعض تلك الأقسام، فقسم اللغة العربية -مثلا- لا يقدم أية برامج تدريبية للطلبة بما يشكل فجوة حقيقية بين الواقع والطموح المتوقع منها في خدمة الوطن ومؤسساته الحكومية.
- عدم التجديد في القوى البشرية العلمية، والعمل بنظام التعاقد والتعاون والتمديد في تخصصات إنسانية لا تحتاج لها الجامعة واقعيا في ظل وجود مجموعة من القوى البشرية السعودية المؤهلة علميا؛ بما يشكل عبئا ماديا لا حاجة فعلية له.
- غلبة التنظير في تلك العلوم على التطبيق للخروج بنتائج فعالة وقابلة للتطبيق؛ فتضخمت الأبحاث العلمية في مراحل الدراسات العليا في التنظير على حساب التطبيق ليبرز السؤال الجوهري: ما هي النتائج؟ كيف تخدم تلك النتائج الواقع الحقيقي للمملكة العربية السعودية؟
- الانكفاء على الماضي في كل تلك الأقسام بتاريخه العربي (الإسلامي - الأموي - العباسي - الأندلسي.. إلخ ) في كل الدراسات المقدمة من أقسام العلوم الإنسانية والاجتماعية وتجاهل التاريخ المعاصر بشكل عام والسعودي بشكل خاص سواء في مسيرته أم رموزه أم إنتاجه الإبداعي الفني بسياقته الحضارية والإنسانية الثرية.
- مواجهة الذات البحثية والعلمية والمهنية بالتساؤل الآتي: ما هو مستقبل العلوم الإنسانية والاجتماعية في البحث العلمي فيما يخص جامعة الملك سعود على المدى القصير والطويل وفق خطة إستراتيجية زمنية واضحة بأهداف واضحة وآلية عمل منظمة ثم مخرجات تتوافق والأهداف؟
- ضعف المخرجات العلمية في بعض تلك الأقسام، ولعل من أهم أسبابه:
• مواجه ذلك الضعف من منطلق قوة مواجهة الذات بسلبياتها قبل إيجابياتها، ومن مظاهره: التكرار في الموضوعات والطرح، فأصبحت الموضوعات قوالب جاهزة يختلف فيها فقط النصوص المدروسة.
• أيضا غلبة الكم على الكيف، وهذا يفسر تضخم الأطروحات العلمية.
• غلبة الدراسات الكمية القائمة على الاستبيان بشكل لافت للنظر، وغلبة هذا المنهج بخطورته في الخروج بنتائج من خلال عينة بحثية قد لا تكون دقيقة.
من خلال ما سبق يمكن أن أقول إن جامعة الملك سعود بشكل عام وكليات العلوم الإنسانية والاجتماعية تواجه تحديات حقيقية علينا مواجهتها والبحث عن حلول سريعة لها بحيث تتوافق تلك الكلية (العلوم الإنسانية والاجتماعية) وطموح سيدي ولي العهد في ظل رؤية 2030 وتوقعاته الشخصية بجيل شغوف، طموح، فعال، يسابق ذاته قبل الآخر.
ويمكن القول إن مستقبل تلك الكليات هو رهين بالحاضر والمستقبل وليس بالماضي؛ بالانفتاح على الدراسات التطبيقية التي تتوافق وسوق العمل السعودي، والخروج بها من قوقعتها التنظيرية وإدراجها في سوق العمل السعودي الواقعي بمتطلباته الحضارية سواء أكان ذلك في مستوى البحث والمخرجات الرصينة، وأيضا السعي للتجديد في القوى البشرية والنظرية عن طريق استقطاب أساتذة من جامعات عالمية كأستاذ زائر والانفتاح على الجامعات العالمية بشكل مباشر من خلال عقد شراكات علمية واضحة بأهداف ورؤى محددة.
إذن لدينا محركات ثلاث يجب أن تتوافق تلك الكليات وإياها:
- رؤية 2030 التي أطلقها سمو سيدي ولي العهد، وكيف نوفق بين المخرجات في العلوم الإنسانية وسوق العمل في المملكة العربية السعودية؟ وكثير من قطاعات الدولة تنتظر تلك الأقسام بتخصصاتها العلمية.
- انضمام جامعة الملك سعود للهيئة الملكية لتطوير مدينة الرياض، وهذا يعني رفع سقف الطموح المتوقع من جامعة ملكية برعاية سيدي ولي العهد بشكل مباشر.
- تحويل كلية الآداب لكليات العلوم الإنسانية والاجتماعية بما يعني مواجهة الذات بأبحاث تقويمية إحصائية تعكس الواقع والطموح.
** **
- أستاذ الفلسفة والنقد بجامعة الملك سعود