الثقافية - علي القحطاني:
من الشخصيات الجدلية في تاريخنا العربي الحجاج بن يوسف الثقفي ( 40هـ -95هـ/ 660-714م) واختُلف حول شخصيته ما بين قادح له وراميه بجميع المثالب والمساوئ، ومادح يرى في سيرته شمساً أشرقت على العرب من جديد وسيفاً سخره الله لإخماد الفتن والشقاق في أمة محمد بعد أن ساد النزاع والخلاف، وكان من أهم إنجازاته تعريب الدواوين في عصره، وصك الدراهم العربية، وتشكيل المصحف وتنفيذه، وكان من أفصح العرب لساناً، لذا رأت «الثقافية» أن تجري لقاءً متخيلاً مع الحجاج بن يوسف لا سيما في هذا الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك الذي نستحضر فيه شخصيات أفنت حياتها في حبّ القرآن الكريم وقدمت خدمات للغة الضاد، كي نتعرف على وجهة نظرهم فيما جاء في سيرهم من أحداث، ونقرأ عن إنجازاتهم كي يعرف العامة والناشئة ما خفي من حياتهم.
النشأة الأولى
* متى ولدت وحدثنا عن نشأتك الأولى؟
- الحجاج: ولدت في الطائف عام الجماعة (41 هـ / 661م)، ونشأت في أسرة كريمة من بيوت ثقيف، وكان أبي رجلاً تقيّاً شريفاً، قضى معظم حياته في الطائف، يعلم أبناءها القرآن الكريم دون أن يتخذ ذلك حرفة أو يأخذ عليه أجراً، وأمي هي الفارعة بنت همام بن الصحابي عروة بن مسعود الثقفي، تزوجها الصحابي المغيرة بن شعبة ثم طلقها وندم، فتزوجها أبي.
أفصح العرب
* يقال أنك من أفصح العرب لساناً؟
- الحجاج: حفظت القرآن، ثم حضرت دروساً عند عدد من العلماء من الصحابة والتابعين، مثل: عبد الله بن عباس، وسعيد بن المسيب، وغيرهم، وزاولت التعليم مثل أبي وكنتُ أفصح الناس، حتى قال النحوي أبو عمرو بن العلاء: «ما رأيت أفصح من الحسن البصري، ومن الحجاج».
القيادة
* ما المهام التي تولّيتها؟
- الحجاج: كنت من أبرز القيادات العسكرية عند الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وهو ما يماثل في زمنكم منصب «وزير الدفاع».
العراق
* لماذا دخلت العراق متلثماً ولماذا أنذرتهم؟
- الحجاج: لقد صرّحتُ لهم أنني رجل أختلف عمَّن سبقني من الولاة، وأنّني سأستخدم القوة والشدة والبطش في معاملتي لأهل العراق، ولو لم أتخذ هذا النهج؛ لبقيت العراق مشتعلة بالفتن حتى قيام الساعة، لذا خرجتُ إليهم في اثني عشر راكباً على النجائب، حتى دخلت الكوفة فجأة حين انتشر النهار، فبدأتُ بالمسجد فدخلته، ثم صعدت المنبر وأنا متلثم بعمامة خز حمراء حتى إذا اجتمع الناس في المسجد نهضت وكشفت عن وجهي، لأقول لهم:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا... متى أضع العمامة تعرفوني.
أما والله إني لأحتمل الشرّ بحمله، وأحذوه بفعله، وأجزيه بنعله لأرى رؤوساً قد أينعت وحان قطافها، وإني لصاحبها، وإني لأنظر إلى الدماء ترقرق بين العمائم واللحى، إما تستقيم على طريق الحق أو لأدعنَّ لكل رجل منهم شغلاً في جسده. من وجدته مشاغباً سفكت دمه، وسلبتُ ماله.
القسوة والظلم
* لماذا هذه القسوة يا حجاج ..كان بالإمكان أن تحلّ المسائل السياسية بالحوار والمجالس الانتخابية والديمقراطية؟
- الحجاج: الحكم واستتابة الأمن لا يعرف إلا بحدّ السيف، وما يصلح للناس من مجالس نيابية وديمقراطية وغيرها، قد لا يصلح لآخرين، لذا كان لزاماً عليهم «السمع والطاعة» ومن عصا فالسيف ينتظره..
ضرب الكعبة بالمنجنيق
* يقال إنك ضربت الكعبة بالمجنيق، فما ردك على هذه التهمة؟
- الحجاج: هذه فريةٌ ردَّ عليها شيخ الإسلام ابن تيمية، فيقول في الجواب الصحيح (5|264): «والحجاج بن يوسف كان معظماً للكعبة لم يرمها بمنجنيق».. ونحن من ولاة بني أمية ملوك الإسلام نعظّم شعائر الله ونتشرف بخدمة الحرمين.
دعاء سعيد بن المسيب
* يقال أن سعيداً بن المسيب دعا عليك بعد أن قتلته، حيث دعا قائلاً: «اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي»؟
- الحجاج: هذه من روايات الواقدي الكاذبة عني..
الإنجازات
* ما أهم إنجازاتك؟
- الحجاج: حينما ولاّني عبد الملك على الحجاز واليمن، تمكنت خلال عامين اثنين من نشر الأمن في هاتين المنطقتين، وأصبح الجميع يُطيعون بني أميّة، وبناءً على هذا ولّيت العراق، وقمتُ بتعريب الدواوين، ما مكّن العرب للمرة الأولى من شغل الوظائف الإدارية في الدولة بعد أن كانت حكراً على الفرس، ونجحت كذلك في صك العملات باللغة العربية وضبط معيارها، وأصلحت حال الزراعة في العراق بحفر الأنهار والقنوات، وإحياء الأرض الزراعية وأنشأت مدينة «واسط» وأعدت حفر قنوات الماء التي طُمرت في الحروب والمعارك.
تشكيل المصحف
* ما أجلّ الأعمال التي قمت بها؟
- الحجاج :أمرت ُبتشكيل المصاحف، ووضع إشارات تدل على نصف القرآن وثلثه وربعه وخمسه، ورغّبت في أن يعتمد الناس على قراءة واحدة، وأن يقرأ الناس بقراءة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وترك غيرها من القراءات، وكتابة مصاحف عديدة موحدة وأمرت بإرسالها إلى الأمصار، ووحدت الموازين والمكاييل، كما حوّلت لغة دواوين الحكومة الأموية من اللغة الفهلوية (الفارسية القديمة) إلى اللغة العربية، وأمرت بسك العملة باللغة العربية، ونظمت عمل الجيش، وجعلتُ خدمة الوطن إجباريّة، وأرسلت الجيوش لفتح المشرق، ففتحت بلخ، وطخارستان، وفرغانة وهي مناطق تقع في وسط قارة آسيا، وفي غرب الهند فتحت منطقة السند، ثم تمكنت من الوصول إلى كاشغر الواقعة على حدود دولة الصين.. لكن للأسف المرجفون في الأرض والذين في قلوبهم مرض لا يذكرون إلا أخطائي ّكقتلي لابن زبير وسعيد بن المسيب وكلها ابتلاءات ومحن وفتن أبرأ إلى الله من دمائهم ..بل تمادوا في غيّهم وادّعوا أنني أدّعيت النبوة، وهذا محض افتراء!
قصيدة الموت
* ما حكاية القصيدة التي أنشدتها عند وفاتك؟
- يُقال إن الخليفة عمر بن عبد العزيز يكرهني، لكنه شهد لي بحبّ القرآن، وقال: «ما حسدتُ الحجاج عدو الله على شيء مثل حسدي إياه على: حبّه القرآن وإعطائه أهله عليه، وقوله حين حضرته الوفاة: «اللهم اغفر لي فإن الناس يزعمون أنك لا تفعل». وأنشدت قبل أن أغمض جفني عن الحياة:
يَا رَبِّ قَدْ حَلَفَ الأَعْدَاءُ وَاجْتَهَدُوا
بِأَنَّنِي رَجُلٌ مِنْ سَاكِنِي النَّارِ
أَيَحْلِفُونَ عَلَى عَمْيَاءَ؟ وَيْحَهُمُ
ما عِلْمُهُمْ بكريم العَفْوِ غَفَّارِ»
الخاتمة
* ماذا تود أن تقول في نهاية لقائنا معك؟
- ربما تظهر الحقيقة على أيديكم، فيعرف الناس المتأخرون أن ليس كل ما قرأوه عمن سبقهم صحيح، فالتاريخ ربما يُزاد فيه أو يُبالغ، أو يكون لمن رواه أهداف شخصية، لذا كونوا حذرين وقراء واعين.
** **
@ali_s_alq