دهام بن عواد الدهام
إن صح لي المدخل فقد تعرض الشرق الأوسط في الأسابيع الأخيرة إلى زلزالين الأول بقضاء وقدر الله وما صاحبه من ضحايا ودمار أشعلت وردية العلاقات الدولية السلمية والوقوف مع المتضررين في تركيا والشمال السوري.
أما الزلزال الآخر فقد أتت بوادر نسائمه من بكين (اطلبوا العلم (السلم) ولو في الصين، حين احتضنت ورعت اتفاقا سعوديا - إيرانيا بتاريخ 10 مارس 2023م بشأن استئناف العلاقات بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفي إطار التنسيق بين البلدين حيال الخطوات اللازمة لاستئناف العمل الدبلوماسي، هذه الخطوة الجبارة تقودها وتصنعها يد تقبض بيد واثقة زمام ولجام المسارات في الشرق الأوسط ورسن حصان العلاقات الإقليمية والدولية في عصر الرؤية للسلام تصنع الاستقرار والازدهار.
سمو ولي العهد سلمه الله، ومنذ قيض له الله بأمانة رعاية مصالح هذه البلاد بإشراف وتوجيه من خادم الحرمين الشريفين - حفظهما الله - وهو يضع التنمية والرقي بالبلاد نصب عينية وهدفه الأسمى ومن خلال رؤية المملكة 2030 في الوقت الذي يدرك كل المخاطر التي تحيط بالبلاد إقليمياً ودولياً، وهو على قناعه أن السلم والسلام هو الأرض والفضاء الذي تمكن الشعوب بالمنطقة بالذات من البناء والازدهار، ولم يتوان عن الضرب بيد من حديد عندما لا يكون هناك مناص من ذلك حين تهدد الظروف كيان ومصالح الوطن سواء كانت داخل الوطن أو من خارجه.
وفي مناسبات عدة تحدث سموه عن طموح لشرق أوسط مختلف مزدهر لخير شعوبه وفي إطار بيئة عالمية ذات أهداف سامية مشتركه توج هذا الاهتمام بمبادرة الشرق الأوسط الأخضر وتعيين مبعوث خاص لشئون المناخ على المستوى الدولي، وفي الإطار الإقليمي عمل على مد الجسور لدول بالمنطقة. في نفس الوقت يعلم أن هناك أطرافا إقليمية تحتاج الصلابة والمواجهة حين تقفل أبواب التفاهم وأعني بها إيران بالذات فقد تحدث ذات يوم وهو واثق بقدراته، ان زعزعة المنطقة التي تتبناها إيران يمكن أن تكون ذات يوم في قلب طهران وفي تقديري إن من يملك مفاصل الأمر في طهران أصبح على قناعة أنه يسير في طريق الخطأ ومحفوف بالمخاطر التي تهدد كينونة النظام خاصة القوى الداعمة والمتمسكة بتطوير برنامجها النووي في تحد صارخ للقوى والوكالة الدولية التي شرعت القوانين والأنظمة التي تجعل منطقه الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية والتي ترى هذه الأطراف الإيرانية أنها أسباب قوة في الوقت الذي أصبح هذا البرنامج سنام صراع النظام مع المجتمع الدولي ومتسبب في عقوبات دولية، في حين أن موقف المملكة ومنذ الأزل المناداة بخلو المنطقة من تلك الأسلحة النووية والرغبة بحسن الجوار وعدم التدخل في شئون الدول وعلى إيران أن تدرك أن تصدير الثورة ومحاولة زعزعة استقرار الدول عن طريق وكلائها حلم تحطم على صخرة القوة والمنعة ولعلي استذكر ما ورد في رسالة من خادم الحرمين الملك عبدالله رحمه الله للرئيس الإيراني نجاد تضمنت (لا بد من إيجاد صيغ للتعايش السلمي بين البلدين ما دام الجغرافيا تفرض هذا الجوار).
أعود إلى نسائم اتفاق بكين، خطوة شجاعة لمن يملك الثقة في قدراته في السلام كما هي قدراته في الحرب. (في السلاح القليل من الحكمة مثل لاتيني)، (يجب أن نرى أن السلام يمثل موسيقى أحلى، لحنًا كونيًا، أعلى بكثير من خلافات الحرب.مارتن لوثر كينج الابن).
وبعيدا عن تحليل انبعاث هذا الاتفاق من بكين وفق رغبة صينية بوضع قدم ثابتة بالمنطقة ومصالحها المتنامية وجموح التنين إلى وضع اسمه قوة أكيدة على الساحة الدولية خاصة في عراكها مع الغرب اقتصاديا وسياسيا ودأبها على وضع عملتها (اليوان) عملة تداول في مجال تجارتها البينية مع الدول مما يهدد استقرار الدولار صلب وعمود الاقتصاد الأمريكي وقوته، وفي إطار تلك الحرب المعلنة وغير المعلنة مع أمريكا والموقف الصيني الداعم لموسكو في الأزمة الأوكرانية وحين تخلف (الحليف) الآخر لدول المنطقة عن أي دور يحفظ السلم واستقرارها واحترام مصالحها مع تعاقب طيف تلك الإدارات واستراتيجياتها وتقديراتها الخاطئة بتهميش المصالح المشتركة إلى ضيق المصالح الخاصة بها مع الإيمان أنها تبقى قوة تجمع معها مصالح واسعة، فقد كانت إرادة الدولتين (المملكة وإيران) بأخذ زمام المبادرة ومد جسور السلام وأعاد العلاقات بين البلدين وتنمية الجوانب الإيجابية في مجالات الاقتصاد والتجارة والتعاون من أجل سلام المنطقة، هناك من لا يعجبه هذا الاتفاق لتعارضه مع مصالحه في ظل وجود فوضى العلاقات الإقليمية وليس سرا تجارب الماضي والدور السلبي لأصحاب المصالح الخاصة لكن اليوم وجود الضامن وعراب هذا الاتفاق الصين، وثقه قيادتنا بهذه الخطوة يشع أملا بالاستثمار الإيجابي لهذا الاتفاق والذي لا بد انه راعى في ثناياه مصالح الطرفين في ظل احترام متبادل والذي ظهرت بوادره في الدعوة الكريمة التي وجهها مقام خادم الحرمين الشريفين حفظه الله للرئيس الإيراني لزيارة المملكة وفي الرسالة الدبلوماسية التي رمى بها سمو وزير الخارجية في لقاء الوزير الإيراني حين اشتكى من 7 ساعات بعد المسافة بين طهران وبكين حين عقب سموه أن المسافة بين الرياض وطهران ساعتان وكأني به يقول نحن أقرب لبعض من قربنا لبكين مع كل التقدير للدور الصيني في رعاية هذا الاتفاق، لعل الأمل أن يرسخ النظام في طهران النية الإيجابية التي سيرت مراحل هذا الاتفاق بعد جولات سابقة متعثرة خاصة ما نردد في وسائل التواصل اجتماعي ردة فعل إيجابية وشغف الشارع الإيراني بهذا الاتفاق.
في الختام يقود سمو ولي العهد قافلة من التحديات متسلحا بإرادة شجاعة ومبادئ راسخة بصنع التغيير الإيجابي لشرق أوسط مختلف يراعي المصالح الوطنية ويدرك حسابات كل المواقف بما فيه أولا مصلحة الوطن دون أن يكون لمواقف بعض الفاعلين أي تأثير باتخاذ هذه المواقف انطلاقا من الانضمام إلى منظمة شنغهاي أو الاهتمام بالانضمام إلى منظمة (بريكس) وانتهاء بقرار أوبك بلس فيما يتعلق بخفض الإنتاج وفقا لتقديرات اقتصادية عن عدم استقرار أسواق النفط وإدراك ما يحيط بالاقتصاد العالمي من تكهنات سلبية. في خضم هذه المعطيات تدرك قيادة بلادي أهمية الحفاظ على علاقات بينية إيجابية مع كل الأطراف الفاعلة على الساحة الإقليمية والدولية محافظة على هذه العلاقات ووفاء بعهودها وعلاقاتها ومصالحها الإيجابية.
** **
- السفير