أ.د.عثمان بن صالح العامر
أثار رجاء الشيخ صالح المغامسي أن ينشئ الله على يديه مذهباً إسلامياً فقهياً جديداً والذي باح به في برنامج (ذات مع سامي جابر)، أثار هذا الرجاء ردود فعل واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي سواء أكان ذلك من قِبل العلماء والمشايخ أو من رواد الإنترنت ومشاهير المغردين. ورجاء المغامسي هنا ذو شقين:
- الشق الأول: أننا بحاجة لمذهب فقهي جديد؟
- الشق الثاني: أن شخص الشيخ المغامسي وهو المتخصص باللغة مؤهل بشخصه الكريم لأن ينشئ هذا المذهب الذي يعالج قضايا فقهية معاصرة، فضلاً عن تمكنه من إعادة النظر فيما كان من قبل أصحاب المذاهب الفقهية الأربعة وغيرهم من الفقهاء المعتبرين عبر تاريخنا الإسلامي -رحمهم الله أجمعين؟. وهذا المحور لا أريد الخوض فيه فقد كفاني عن التعرض له علماء أفذاذ وطلبة علم أهل اختصاص إبان الأيام القليلة الماضية، فضلاً عن أن ما جدَّ من مسائل مجتمعية معاصرة تحتاج -في نظري- إلى اجتهاد مجامع فقهية متخصصة لا أفراد، فهي مسائل معقدة متشابكة ذات أبعاد مختلفة وغالبيتها ذو صبغة عالمية عمومية شمولية واسعة، وخير من انبرى لهذه المسائل وما زال (هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية) التي تولي هذا الأمر جل اهتمامها وعظيم رعايتها، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين كل خير.
- وعن الشق الأول، فإنني أسوق هنا ما قاله علماؤنا الربانيون في التزام أهل نجد بالمذهب الحنبلي ورفضهم إنشاء مذهب فقهي جديد، وهم من هم في هذا الباب، بدأ من الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- وحتى علماؤنا الأحياء الموقعون عن الله عز وجل.
- إذ كتب المجدد الإمام -رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته - في رسالة إلى أهل القصيم، ما نصه: (...ثم لا يخفى عليكم أنه بلغني أن رسالة.. قد وصلت إليكم، وأنه قبلها وصدّقها بعض المنتمين للعلم في جهتكم، والله يعلم أن الرجل افترى عليَّ أموراً لم أقلها، ولم يأت أكثرها على بالي. فمنها: قوله: «إني مبطلٌ كتب المذاهب الأربعة»! وإني أدعي الاجتهاد، وإني خارج عن التقليد، وإني أقول إن اختلاف العلماء نقمة.. جوابي عن هذه المسائل أن أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم...).
- وقال -رحمه الله- في إحدى رسائله: (... وأما مذهبنا، فمذهب الإمام أحمد، إمام أهل السنة، ولا نُنكر على أهل المذاهب الأربعة، إذا لم يُخالف نص الكتاب والسنة، وإجماع الأمة، وقول جمهورها).
- وقال ابنه عبدالله -رحمه الله: (ونحن أيضاً: في الفروع على مذهب الإمام أحمد ابن حنبل، ولا ننكر على من قلّد أحد الأئمة الأربعة دون غيرهم؛ لعدم ضبط مذاهب الغير...).
- وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ -رحمهما الله- في رده على أحد المناوئين: (وأما زعمه أن الشيخ وإخوانه الموحدين لا يرون العلماء قدوة، ولا يرعوون إلى أقوالهم؛ لادعائهم الاجتهاد.. فيُقال: هذا البهت والزور من جنس ما سبق وتكرر عنه في هذه الرسالة، وشيخنا -رحمه الله- لم يخرج في مسألة من الأصول والفروع عمَّا عليه أهل العلم، الذين لهم لسانُ صدقٍ في هذه الأمة).
- وقال محمود شكري الألوسي - رحمه الله - (... فأهل نجد كلهم على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه، مقلّدون له في فروع الأحكام، وموافقون له في أصول الدين وعقائده، وقد صرَّح الشيخ محمد بذلك في كثير من رسائله، وهو لم يدّعِ الاجتهاد، ولا دعا أحداً من الناس إلى تقليده، بل أمر بالمعروف ونهى عن المنكر).
- وقال الشيخ عبدالرحمن ابن قاسم - رحمه الله - عن علماء نجد: (كانوا على مذهب الحبر الرباني، والصديق الثاني، أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني -رضي الله عنه وأرضاه، وجعل الجنة منقلبه ومثواه، لقوة علمه وفضله، تتبعوا دليله، واقتدوا به من غير تقليد له، يأخذون من الروايتين عنه فأكثر بما كان أقرب إلى الدليل، وربما اختاروا ما ليس منصوصًا في المذهب، إذا ظهر وجه صوابه، وكان قد قال به أحد الأئمة المعتبرين. وليس ذلك خروجًا عن المذهب، إذ قد تقرر عنه، وعن سائر الأئمة -رحمهم الله- أنه إذا خالف قول أحدهم السنة، ترك قوله، لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم). وللحديث بقية عن هذا الموضوع المحوري الساخن، وإلى لقاء والسلام.