علي محمد إبراهيم الربدي
انتشرت رسالة عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن وفاة الشيخ صالح العبدالله الحمود البازعي الرجل الذي أنعم الله عليه بالمال وبماله أنعم على الناس بالإحسان إليهم, والذي نحسبه والله حسيبه من الذين ينطبق عليهم قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (نِعْمَ المالُ الصالِحِ للمَرْءِ الصالِحِ).
وأبو عبدالله من وجهاء القصيم خاصة, ومن وجهاء المملكة العربية السعودية عامة, ولد بالربيعية عام 1348هـ تقريباً سنة السبلة فى زمن لا يعرف فيه المجتمع الذي ولد فيه تسجيل الميلاد إلا بربطه بالأحداث.
والربيعية قرية من قرى القصيم تقع شرق بريدة تبعد عنها حوالي خمسة وثلاثين كيلومترًا كانت تقطع بثلاث ساعات مشياً على الأقدام أو الدابة, أما السيارة فتقطع المسافة بين الربيعية وبريدة بساعة ونصف والآن تقطعها بخمس وأربعين دقيقة, وفي عهد الملك سعود وبداية عهد الملك فيصل كان طريق الرياض القصيم يمر بالربيعية. ومنها للمستوي عبر طريق ترابي حتى شقراء وعندها ينتهي بطريق الرياض الحجاز الطريق المزفلت.
وفى عهد الملك خالد تغير مسار الطريق وزفلت من الرياض إلى بريدة مروراً بالزلفي ثم الشماسية ومن بعدها الربيعية حتى بريدة مروراً ببعض المدن والمحافظات والمناطق.
والشيخ صالح البازعي رغم سكنه بالرياض وارتباطه بأعماله التجارية هناك إلا أنه لا يمكن أن يتغيب عن مسقط رأسه الربيعية أكثر من شهر وسكنه موزع مابين الربيعية والرياض ودائماً يقضي الأعياد والعطل بمسقط رأسه الربيعية.
عاش أبو عبدالله سنوات العمر مابين الشدة والرخاء والنعيم والشقاء ففي بداية حياته عاش مع الجيل الذي يخدم نفسه وغيره الجيل الذي لا يعرف المطاعم ويعتمد على أكل البيت, عاش مع الجيل الذي عاش بصحة وعافية رغم قساوة الزمن وعدم وجود المستشفيات والاعتماد على الشعبيين الذين يستخدمون الكي والأدوية الشعبية فى علاج الكثير من الأمراض, عاش مع الجيل الذين يعتمدون على أنفسهم في طلب الرزق ولم يكونوا عالة على مجتمعهم ووالديهم بل كانوا يساعدونهم فى الكثير من الأعمال رغم صغر أعمارهم.
عاش أبو عبدالله في متوسط عمره حتى وفاته عيشة كريمة فقد أنعم الله عليه بالصحة والعافية وطول العمر والمال, فعرف كيف يتصرف فيه كيف يشاء في حياته, فأكرم به الولد وعمّر فيه القصر والسكن ودفع به البلاء بالصدقة على الأرامل والفقراء أحسبه والله حسيبه من الذين قال الله عنهم: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}.
وبصماته واضحة على الفقراء والمحتاجين والأقارب والأصدقاء, يستأنس بمساعدتهم, وبالجلوس معهم والخروج إلى البر بصحبتهم, يدعوهم ويجلس معهم بقصره يتسامر وإياهم, ويلبي احتياجاتهم, ومكتبه مفتوح للقريب والبعيد والحاضر والباد, يعطي بلا منة ويساهم في أعمال الخير والبّر يدعم الجمعيات ويساعد في إخراج المساجين وإعتاق الرقاب, ومواقفه مع حكام البلد مشهورة ومشهودة يزورهم بمكاتبهم وقصورهم ويستضيفهم بمخيمه ومسكنه, وله أيادٍ بيضاء على أقاربه وجماعته خاصة أهل قريته الربيعية.
ينتسب الشيخ صالح إلى أسرة البازعي التي سكنت الربيعة منذ عدة قرون وأسسوا فيها المزارع وبنوا فيها البيوت والقصور منذ قديم الزمن، وأسرة البازعي التي ينتمي إليها المرحوم الشيخ صالح البازعي يقول عنها رجل الأعمال الوجيه عبدالرحمن الصالح العطيشان: (أسرة البازعي عرف عنها الوفاء للدين والوطن من رجالاتها حمود وابنه عبدالله من أبناء القصيم البارزين وكانت تربطهم علاقات متينة بالملك عبدالعزيز رحمهم الله جميعاً).
وعندما دخل الملك عبدالعزيز الربيعية طلب من حمود البازعي بناء برج عالٍ على الجبل المشرف على الربيعية لمراقبة العدو.
وكان لهذه الأسرة مكانة كبيرة عند الملك عبدالعزيز رحمه الله نلمس ذلك عندما جاء الملك عبدالعزيز لمدينة بريدة استعداداً لمعركة جراب عام 1233هـ دعاه عدد من وجهاء القصيم لزيارتهم في بلدانهم وكان البازعي ضمن الموجودين فاكتفى بزيارة هذه الأسرة بالربيعية لِما لهذه الأسرة من مكانة على أن يقوم بزيارة الأسر فيما بعد. انتهى كلامه.
وأسرة البازعي التي يرجع إليها رجل المال والأعمال الشيخ صالح البازعي أسرة كريمة ذات حسب ونسب ترجع بأصولها لقبيلة شمر من الجعفر من عبده التي ترجع إلى قبيلة قحطان العربية خرجت الأسرة رجال علم ومال خدموا الدين والملك والوطن.
بدأ الشيخ صالح البازعي حياته العملية بالتجارة مع أواخر جماعة عقيل الذين كانوا يتاجرون بالإبل والخيل والمواشي مع الشام والعراق ومصر في أواخر الستينيات, وكان من تجار الحدرة وهم تجار عقيل الذين حولوا تجارتهم لدولة الكويت فى السبعينيات الهجرية حين اكتشف أول حقل نفط فيها عام 1353 هـ الموافق 1933م عندها اتجه القصمان ومنهم الوجيه صالح البازعي بتجارتهم إلى الكويت وعرفوا بتجار الحدرة وهم الذين تنسب إليهم المقولة (عرس وجراد وحدرة) والمعنى جميعها أعمال تحتاج إلى جهد كبير وقد تحدث كلها خلال أيام.
والشيخ صالح واحد من أولئك الذين مرّت عليهم هذه الحالة فمن الذين صادوا الجراد وأكلوه ومن الذين تزوجوا ورزقوا بالبنين والبنات ومن الذين انحدروا للكويت وتاجروا هناك.
وحين اكتشف البترول بالمملكة العربية السعودية في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله عام 1358 هـ الموافق 1938م تغيرت الحياة فيها وبدأ الاستقرار بجميع مناحي الحياة ومنها التجارة التى أخذ روادها يمارسونها داخل بلادهم, يفتحون الاعتمادات والمؤسسات وحازوا على الوكالات وملكوا الأراضي والمخططات ومنهم الشيخ صالح البازعي أبو عبدالله الذى أصبح وكيلاً لمجموعة من الشركات العالمية ومنها وكالة تويوتا بمنطقة الرياض وحقق منها أرباحاً وفوائد خيالية أهلته ليكون من رجال الأعمال البارزين الذين يملكون العقارات والمخططات والشركات المنافسة فى الأسواق العالمية بحسن الإدارة والخبرة وحسن النّية.
والشيخ صالح كما يروي عن نفسه فى جريدة الجزيرة لا أذكر عددها حين كان ضيفاً على جريدة الجزيرة يذكر كيف بدأت علاقته بالملك سلمان أمير الرياض السابق فقد صادف في يوم مطير - الأمير - الملك سلمان بن عبدالعزيز عندما كانت سيارة أبو فهد عالقة بشعيب بنبان - منطقة تبعد عن الرياض حوالي مائة كيلو أما الآن فهي من أحياء الرياض - سحب أبو عبدالله بسيارته سيارة الأمير - الملك سلمان وأخرجها من الشعيب وذلك قبل ستين عاماً ومن ذلك اليوم وعلاقته قوية بالملك سلمان بن عبدالعزيز (الأمير آنذاك) الذي دعاه لقصره فى حينه وأكرمه.
عزاؤنا لأبناء وبنات الشيخ خاصةً ولأسرة البازعي وللمسلمين عامة بوفاة الرجل المبتسم صاحب البّر والإحسان الكريم الذي ينطبق عليه قول الشاعر:
ما قال: «لا» قط إلا في تشهده
لولا التشهد كانت لاؤه نعم
رحم الله الشيخ صالح العبدالله الحمود البازعي ووالديه وأسكنهم فسيح جناته اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة وأظله في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك وثبته بالقول الثابت اللهم اجعله من المتقين الذين قلت عنهم: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ}.
وختامًا صلاة ربي على سيد الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله المبعوث رحمة للعالمين.
** **
القصيم - بريدة