خالد بن حمد المالك
من حين لآخر، وبشكل يكاد لا يتوقف تتحدث بعض الدول عن التوجه نحو حرب عالمية قادمة، دون أن تحدد زمانها، أو المكان الذي ستبدأ منه، وإن كانت التوقعات تتم بحذر، وتحفّظ، وربط حدوثها بتطورات العلاقات بين الدول، لكن التحليلات والقراءات لهذا الذي قد يحدث تأتي كاستنتاجات وفقاً لأي خطأ في التصرف من أي جانب.
* *
والتلويح بالحرب النووية، ربما يكون أحياناً تهديداً ليس إلاّ لكي لا يتمادى أي جانب في النيل من مصالح الآخر، أو الاستقواء عليه، دون أن يكون هذا التهديد جاداً، لأنه يقدّر تبعاته عليه وعلى أعدائه، لكن الضغط على (زر) التحكم بالسلاح النووي قد يحدث لسوء التقدير، وبالتالي قد تندلع الحرب.
* *
غير أن المتابعين لا يعتقدون أن تصرفاً خاطئاً قد يحدث، وإن حدث باستخدام النووي فسوف يكون في مساحة محدودة، ولفترة قصيرة، ومن أطراف محدودة ممن يمتلكون السلاح النووي، وسيتم تطويق ذلك، ومنع توسعه، والإقلال من آثاره.
* *
لكن نذير الحرب بالنووي، والتهديد كلامياً بحرب عالمية ثالثة لا زالت تطرق أبواب كل دول العالم، أو بعضه في أحسن التقديرات، وهي نار تحت الرماد، ولن يشعلها إلا خطأ، أو تصرف غير مسؤول، أو حين يعجز الحوار والدبلوماسية في معالجة الصراع الدولي، وهنا يكون ما قد يحدث شر لا بد مما ليس منه بد.
* *
وبالتأكيد، فإن محاولة بعض الدول ممن لا تملك مفاعلاً نووياً امتلاكه كإيران، يزيد من خطورة التوقعات، ويضعف الالتزام بعدم استخدام هذا السلاح الفتاك، كما أن نجاح كوريا الشمالية لتكون دولة نووية رغم اعتراض الولايات المتحدة الأمريكية، ودول أخرى قد يعجل بهذه الحرب، وإن كنت أتحفظ على توقيتها، وأسباب نشوبها.
* *
ومن مصلحة العالم، أن يتجنب حرباً كهذه، إذ لا مصلحة لأي دولة في كسب المعركة فيها، فالجميع متضرر، والجميع لن ينجو من خسارتها, وبالتالي، فإن من مصلحة الجميع الابتعاد عن التفكير بحرب كهذه، مهما كانت الأسباب، والضغوطات، والشعور بأن هذا السلاح هو الخيار في مواجهة من يعتقد أن مصالحه مهددة من الغير.
* *
على أن نقل السلاح النووي من دولة لأخرى، أو مساعدة دولة لا تمتلك هذا السلاح لامتلاكه من دولة تمتلكه هو في نهاية المطاف زيادة في فرص قيام حرب عالمية ثالثة، إذا ما أصبح النووي في حوزة دول لا يقدر مسؤولوها خطورته، أو أنها لا تملك القدرة على حمايته من المغامرين والمندفعين وما أكثرهم لو امتلكوا هذا السلاح.
* *
أبرز ما جعل الحديث عن النووي حديثاً إعلامياً بامتياز اتجاه إيران بعد كوريا الشمالية لامتلاكه، وأهم ما عزز الحديث عن حرب عالمية ثالثة الحرب الروسية - الأوكرانية، واصطفاف بعض الدول مع أوكرانيا، وأخرى مع روسيا، ما جعل العالم وكأنه في مواجهة بين طرفين لحرب ثالثة لم يحسم موعد انطلاقة شرارتها، بين مستبعد حدوثها أساساً، وبين من يراها بعيدة في توقيتها إن حدثت.
* *
كل الأماني أن يتوقف الكلام عن حرب كونية، فتكرار الحديث، واستمرار التهديد، وعدم وزن الكلمات في هذا الشأن، إنما يخدم التهيئة لحرب عالمية ثالثة، أو على الأقل يبقيها حاضرة في الذهن، وهو ما لا نتمناه، بل إننا نرى أن هناك خطورة حتى في الحديث عنها، خاصة حين نستعيد آثار الحربين العالميتين بمآسيهما المؤلمة.