رضا إبراهيم
في مجمل حديثه عن المدينة عرَّف المعماري لو كوريزيه (1887 - 1965م) -وهو معماري سويسري - فرنسي، المدينة بأنها خلاصة تاريخ الحياة الحضرية، والمدينة هي الناس، وهي المواصلات وهي التجارة والاقتصاد وهي الفن والعمارة، وهي الصلات والعواطف والثقافة، والمدينة تعبير صادق جداً لانعكاس ثقافة الأمم وتطورها، وهي شكلاً من أشكال كفاح الإنسان كانتصاراته - هزائمه - قوته - فقره - حرمانه - ضعفه ... إلخ.
ومن جانبه أيضاً عرف ابن خلدون (1332 - 1406م) المدينة بقوله (إن المدينة والأمصار ذات هياكل وأجرام عظيمة وبناء كبير، وهي موضوعة للعموم لا للخصوص، لذلك فهي في تحتاج إلى اجتماع الأيادي وكثرة التعاون، فلا بد من تمصير واختطاط المدن من الدولة والملك)، والملاحظ أنه بعد مرور المدن بالعديد من التغيرات، كان أهمها تأثير الثورة الصناعية على نمط استخدام الأراضي وزيادة وتيرة هجرة سكان الريف نحو المناطق الحضرية، سواءً بصورة أفقية أو رأسية حسب توفر الأراضي بها، ما يعني أنه كلما توسع العمران بالمناطق الحضرية كلما زادت المشكلات بها، ما ألزم ضرورة إجراء مزيد من الدراسات، أملاً في إيجاد وسائل لتلافي ذلك الخلل، أو القصور في تلك الاستخدامات.
ومع ارتفاع عدد سكان المدن وزيادة الضغط على الخدمات الطبية التقليدية، تبدأ الجهات الفاعلة الرئيسية مثل الحكومات المركزية والخبراء والمخططين ومهنيي الصحة العامة وغيرهم، في محاولة استكشاف وسائل مبتكرة أخرى لرعاية الأشخاص المحتاجين، لذلك وافقت المملكة العربية السعودية منذ عدة سنوات على القيام بدعم جهود منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) في تنظيم منتدى دولي، يهدف إلى زيادة الابتكار في الزراعة، لتسريع وتيرة التحول الضروري لإطعام العدد المتزايد من السكان بالمناطق الحضرية في منطقتي الشرق الأدنى وشمال إفريقيا.
والمعلوم أن المجال الزراعي بالمملكة العربية السعودية، يتأثر بشكل كبير بعدة عوامل أثرت بدورها على القطاع الزراعي كله، فعلى الرغم من توافر اللوازم الفنية والاقتصادية، وجدت عدة محددات طبيعية، أهمها شح الأراضي الزراعية، والتي تعتبر من أهم محددات التنمية الزراعية، حيث تتمثَّل الأراضي الزراعية بالمملكة بنحو (2) بالمائة من مساحتها وتلك المساحة يقع معظمها داخل الحزام الصحراوي، كما تشمل الأراضي الزراعية في المملكة مكونين جولوجيين هما «الدرع العربي» ويشمل الجزء الغربي من الدولة (جبال عسير والحجاز) ويحتل حوالي (28) بالمائة من المسلحة الكلية للمملكة، وهناك «الرف العربي» ويشمل نحو (66) بالمائة من المساحة الكلية للمملكة، بينما تمثِّل مساحة الأراضي الصالحة للزراعة حوالي (48899) ألف هكتار.
في حين بلغت المساحة الأراضي القابلة للاستصلاح نحو (3785) ألف هكتار ومساحات الغابات حوالي (2700) ألف هكتار ومساحة المراعي حوالي (17000) ألف هكتار، وكل تلك المحددات دفعت صنَّاع السياسة والخبراء بالمملكة، إلى اتخاذ القرارات بضرورة اللجوء للزراعة الحضرية، إذ تشير الزراعة الحضرية ببساطة إلى زراعة المحاصيل وتربية الماشية للاستهلاك الخاص، أو للتسويق سواءً داخل أو على أطراف المدن، كما تشمل الزراعة الحضرية مجموعة كبيرة من الأنشطة، مثل إنتاج ومعالجة وتسويق وتوزيع المنتجات الزراعية في المناطق الحضرية.
ورغم مرور عدة عقود على ظهورها، إلا أن الزراعة الحضرية لا تزال وليدة ومجزأة في عدد من المدن بجميع أنحاء العالم، ووفقاً لصندوق الأمم المتحدة للسكان الصادر عام 2007م، من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان المناطق الحضرية في العالم من (3.3) مليار شخص إلى (6.4) مليار وذلك بحلول عام 2050م، ويتوقع أيضاً أنه بحلول عام 2030م سوف يعيش نحو (60) بالمائة من سكان العالم بالمدن، كما يعمل حوالي (800) مليون شخص في الزراعة الحضرية على مستوى العالم، ويسهمون في إطعام سكان الحضر، وفي الوقت نفسه ينفق سكان الحضر محدودي الدخل ما بين (40 - 60) بالمائة من الدخل على الغذاء سنوياً، ومع توسع المدن تزداد الاحتياجات الغذائية لسكانها وبالأخص العائلات، لذا تسير عملية التحضر في العديد من الدول النامية جنباً إلى جنب مع تزايد الفقر الحضري.
وفيما يخص نفس السياق، وحول المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر في السعودية، فقد أعلن في شهر سبتمبر عام 2021م قيامه بالعمل على أكثر من (20) مشروعاً للتشجير في معظم مناطق المملكة، وتلك المشروعات تتضمن زراعة نحو (7) ملايين شجرة ضمن مبادرة السعودية الخضراء، كما أكد المركز على أن (2) مليوني شجرة برية من كل تلك الأشجار سوف تتم زراعتها في المحميات الملكية، وأن (2.8) مليون شجرة ستتم زراعتها أيضاً في المتنزهات الوطنية، بجانب زراعة (2.2) مليون شجرة من نوع «مانجروف» على طول السواحل السعودية، كما لفت المركز إلى وجود أكثر من (820) ألف شتلة أخرى، تقوم عدة جمعيات بيئية بزراعتها، هذا بجانب إنشاء المملكة الكثير من المنشآت المحمية، لتربية نباتات المساكن وإنتاج أزهار القطف.
وتُعد مدينة «الرياض» من أول المدن السعودية المهتمة بمسألة الزراعة الحضرية، حيث عملت أمانة منطقة الرياض بجدية على تنفيذ مشروعات التشجير بكافة الحدائق والميادين العامة، وحماية وتطوير المناطق الطبيعية حول المدينة وتنمية الغطاء النباتي بها وبالأخص (منتزه الملك سلمان ببنبان ومنتزه عرق الرثمة) إضافة لتحديد النطاق الحضري للمدن مثل (وادي السلي) ومن جهتها أيضاً قامت الهيئة العامة لتطوير مدينة الرياض، بجهد خالص لتطوير وادي حنيفة وروافده، وتنفيذ مشروعات تشجير تجريبية في عدة مواقع مثل (منتزه الثمامة وبحيرات الحابر) إضافة إلى إنشاء بنك توزيع البذور، وإعداد دراسة العلمية لزراعة النباتات المحلية، وإصدار دليل إرشادي للنباتات بمنطقة الرياض، والتوثيق العلمي والتوعية والنشر لمشروع تشجير وادي حنيفة.
وبخصوص مشروعات الجهات التطوعية والتضامنية الخيرية كجهات غير ربحية، فقد قامت أيضاً بالعمل على توثيق عدداً من المبادرات والجهود المحدودة ضمن محافظات المنطقة، بشكل فردي أو مؤسسي مثل (الجمعية التعاونية لشجرة اليسر ورابطة الآفاق الخضراء وجمعية تنمية الغطاء النباتي) ومن خلالها تم القيام بعدد من المشروعات للتشجير في العديد من المحميات والروضات، بجانب إنشاء عدة مشاتل من خلال جهود محدودة، لكنها ارتكزت علي قدرات الشخصية السعودية الصلبة، والقائمة على خدمة المجتمع المحلي عبر تلك الجمعيات، وكل ما ورد يضاف إليه جهودها في التوعية عبر وسائل التواصل الاجتماعية المتعددة.
هذا وقد اقترحت منظمة الصحة العالمية، ضرورة أن يكون لكل مدينة مساحة لا تقل عن (9) أمتار مربعة لكل فرد، وقد تمكنت بعض المدن العالمية وأولها مدينة الرياض، من الجمع بين المساحات الخضراء الواسعة والكثافات السكانية العالية، من خلال نماذج تخطيطية مكانية ذات كفاءة عالية، ولأن المساحات الخضراء تعتبر من أهم عوامل تحسين الصحة العامة ونوعية الهواء والتقليل من استخدام الطاقة وتوفير الفوائد الصحية المتعددة للسكان، فقد هدف برنامج التنمية المستدامة 2030م إلى توفير سبل استفادة كافة السكان من المساحات الخضراء، لتسهيل الوصول إليها بحلول عام 2030م، وتعتبر مبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، والهادفة لزراعة (50) مليار شجرة إضافية، أكبر برنامج إعادة تشجير على مستوى العالم.
والملاحظ أنه خلال آخر (5) سنوات زاد الاهتمام بالغطاء النباتي بالمملكة بنسبة كبيرة، ما نتج عنه زيادة وصلت لـ(40) بالمائة ورفع مساحة تغطية المحميات الطبيعية من (4) بالمائة لتصل إلى (16) بالمائة، وبجانب أهداف مبادرة السعودية الخضراء بمجال التشجير، فهي تهدف أيضاً إلى توحيد كافة الجهود والعمل المشترك لمواجهة التحديات البيئية وبالأخص الحضرية، وفي الآونة الأخيرة وكمثال واضح يحتذي به تم قياس نصيب الفرد بمدينة الرياض، حيث ظهر إنها تصل إلى (12.8) متر مربع، وفي ذات الوقت بلغ عدد الأشجار التي يتم زراعتها سنوياً لكل (100) ألف من السكان (307) شجرة.
ما يعني التزام مدينة الرياض بالاستدامة الحضرية والبيئية، وحصولها على جملة من الفوائد، إذ يوجد فيها حالياً نحو (2.5) مليون شجرة، وقد أخذت المدينة في اعتبارها أن زراعة الأشجار من أهم أدوات الحد من أثار تغير المناخ وتدهور الأراضي، وإعادة النظام البيئي الطبيعي لتلك المدينة، كما أن زراعة (100) ألف شجرة يمكنها إزالة نحو (748) طناً من تلوث الهواء، بجانب توفيرها (7.5) مليون ريال من استهلاك الطاقة، وتعمل على تحسين نوعية المياه الجوفية وتحد من آثار السيول عبر اعتراض آلاف الأمتار المكعبة من مياه الأمطار وتحسن الصحة العامة للسكان، وتعتبر مدينة الرياض من أول المدن العربية والشرق أوسطية، التي شهدت بالآونة الأخيرة اتساعاً حضرياً، تم من خلال قفزات عمرانية وسكانية واسعة، وقد نتج عن ذلك الاتساع زيادة ملحوظة برقعتها الزراعية والجغرافية وتعداد سكانها.