سارا القرني
كتبت العام المضي مقالاً عن «التعدّد وقلة النساء» الذي نُشر في نهاية أغسطس، وتطرقتُ فيه للفكر النسوي الضيق في فهم الدين عن طريق القصص.. أو ادعاء أنّ بعض الآيات تصلح لزمان غير زماننا، وتطرقت للفكر الذكوري المتعصب.. الذي يفسر آية التعدد بما لا يتناسب مع حكمتها، وطبعاً لا أقف مع هؤلاء ولا هؤلاء.. لكنني وقفتُ سابقاً ضد تفسير آيات الله بما يخدم الأهواء أو تحييدها بما يخدم الأهواء، ولن أعيد الحديث عن هذه المسألة من الجانب الديني.. بل من الأخلاقي!
لا تزال الحرب ضروساً هوجاء بين الرجال والنساء في مواقع التواصل الاجتماعي أو غيره، كلّ فريقٍ يُدلي بدلوهِ وكلّ فريقٍ ينتقص من الآخر، بل وصلت الأمور أن يتفق بعض الرجال أنه من نقص الرجولة أو تلاشيها.. قبول الزواج من امرأةٍ لا تقبل التعدد أو تضع عدم التعدد شرطاً في عقد النكاح، ووصل الأمر ببعض النساء أن يتفقن على عدم الحاجة للزواج أساساً وأنّ الاقتران برجل هو غلطة أو فقدان وعي لأنّ «المرأة العاقلة لا تتزوج»!
بالطبع كلّ هذه الآراء والشطحات مكفولة الحق تحت سقف الحرية الذي ما زال يرتفع ويرتفع ويرتفع حتى طار ولم يعد للحرية سقفٌ تستظل به، فمن الحرية أن ترغب بالتعدد أو لا، ومن الحرية أن تتزوج أساساً أم لا، ومن الحرية أن تعبر عن رأيك، ومن الحرية أن تناقش الفكرة، لكن الحرية تتلاشى ولا تعود حقاً مشروعاً حين تجعل رأيك مقياساً أو تقيس به رجولة فلان أو قوة شخصية فلانة!
يقول أحدهم لا أحترم الرجل الذي يقبل من امرأة أن تشترط عليه عدم التعدد.. ولا أسميه رجلاً بل فاقداً للرجولة!؟ وتقول إحداهنّ لا أرى المرأة التي تقبل الزواج عليها إلا ضعيفة شخصية أو غبية، يا سادة يا كرام.. لا تزعجونا بمقاييسكم الخاصة، ولا تطلقوا الأحكام على الناس بناء على آرائهم في مسألة تعتبر شخصية جداً ولا تفيد ولن تفيد العالم بشيء، فزواجك أيها الرجل بأربعة لن يحل مشاكل المجتمع كلها ولن يشكل فارقاً في خارطة الكرة الأرضية، وعدم زواجك أيتها المرأة أو رفضك للتعدد أو أياً كان من آرائك الشخصية التي تطبقينها على نفسك لن يجعل النساء أكثر ضعفاً أو قوة!
في الإنترنت الكلّ «أسد».. لأنه خلف شاشة، أكثر دعاة التعدد لا يتجرؤون أن يفعلوها ويقولون تكفيني زوجتي عن أربع لكنني أدافع عن الحق المشروع للرجل حتى لو لم أطبقه، ورافضات التعدد يقبلن أن يكن زوجة ثانية أو ثالثة أو رابعة.. لكن لا تقبل أن يتزوج عليها!؟
أما أنا فأقول.. الغالب في أسود الإنترنت أنهم لا يتجرؤون للحظة أن يناقشوا مثل هذه القضايا أمام زوجاتهم، والغالب في النساء أنها تقبل بالأمر الواقع حين حدوثه وتصبح نسويتها المزعومة زوبعة في فنجان!
لذلك تزوجوا أو لا، عدّدوا أو لا، افعلوا ما تشاؤون.. دون أن تقيّمونا بناءً على آرائكم، ولا تزعجونا!