بَعّدْتُمْ عَنْ العَيْنِ فَاِزْدَادَ حُبّكُمْ
َغِبْتُمْ وَأَنْتُمْ فِي الفُؤَادِ حُضُورُ
انتقل إلى رحمة الله فجر السبت 19 شعبان 1444هـ بعد معاناته مع المرض، وتمت الصلاة عليه في نفس اليوم بعد صلاة العصر في جامع البابطين شمال الرياض، ثم حمل ودفن في مسقط رأسه (بلدة البير).
وقد أطل على الدنيا مولوداً عام 1360هـ، وباكره اليتمُ وهو في صغره..، وعاش في كنف جدته لأمه: سارة بنت عبدالله بن حمد بن علي العباد، ولما بلغ سن الدراسة درس في إحدى مدارس الكتّاب لتحفيظ القرآن الكريم، ثم شخص إلى الرياض مواصلاً الدراسة الابتدائية المتوسطة مع حضوره ما يقرأ في المساجد من القرآن الكريم ومن العلوم الدينية..، وكتب السيّر والمطولات المفيدة مما زاده ذلك أتساعاً وثقافةً أدبية ودينية مع تسريح نظره في بطون الكتب الآهلة بالحكم والأمثال - غذاء العقول - التي تضيء شعاب النفوس رحابةً وعلماً..، مع ملازمته بعض العلماء الأجلاء لينهل من رضاب علومهم الصافية، مما كان له بالغ الأثر في تقوية ملكة التعبير في المجالس والمحافل، ولقد أجاد القائل:
عَلَيْكَ بِأَرْبَابِ الصُّدُورِ فَمَنْ غَدَا
مُضَافًا لِأَرْبَابِ الصُّدُورِ تَصَدَّرَا
بعد ذلك عمل في ديوان المراقبة العامة فترة من الزمن، وفي عام 1393هـ انتقل إلى ديوان رئاسة مجلس الوزراء حتى أخلد للراحة متقاعداً في عام 1427هـ حميدةٌ أيامه ولياليه، ثم أخذ يشتغل في أعماله الخاصة فعاش عيشة طيبة، وكان باراً بوالدية واصلاً لرحمه وأقربائه، تاركاً باب منزله مفتوحاً لمن يَأَمُّهُ من أسرته ومعارفه:
حَبِيبٌ إلى الزُّوّارِ غِشْيَانُ بَيْتِهِ
جَمَيلُ المُحَيّا، شَبَّ وهْوَ «كَريمُ»
كما أنه لا يتوانى في مساعدة المحتاجين والأرامل وأبنائهم، رجاء المثوبة من رب العالمين يوم يلقاه، ولقد لقيه بنفس راضية مطمئنة بعد عودته من أمريكا حينما يأس من الحياة، وأعيت مهرة الأطباء الحيل في إنعاشه:
وإذا المنيّة أنشبت أظفارها
ألفيت كلّ «وسيلة لا تنفعُ»
فالله سبحانه لا يضيع أجر من أحسن عملاً. وكان يقضي جل وقته في مدينة الطائف أولى مصائف المملكة لاعتدال أجوائها وقربها من بيت الله الحرام في مكة المشرفة، وكان يدعونا إذا حضرنا هناك ويتجول بنا في تلك الأجواء اللطيفة مُروراً بنا إلى عدد من المواقع مثل حي المثناة ومرتفعات الشفاء والهدا كثيفة الأشجار والغابات، وقد تسمع شدو البلابل وهديل الحمائم على أغصانها، فتهيض كوامن النفوس:
حمامُ الأيكِ ما لك باكياً
أفارقتَ خلً أم جَفَاكَ خليلُ
تُذَكِّرُني لَيلى عَلى بُعدِ دارِها
وليلى خلوب للرجال طرُوبُ
مما زاد تأثري مشاهدة ما تبقى من مبنى دار التوحيد الواقعة في غرب حي قروى التي قضيت فيها من الأيام أحلاها دارساً مغترباً عامي 1370 /71هـ:
تحية من ربى نجد إلى بلدٍ
قضيت فيه من الأيام أحلاها
وإن نسيت فلن أنسى مرابعها
وسدرة كنت في المثناة أرقاها
ومهما أنسى من شيء تولى
فإني ذاكرٌ «دار التوحيد»
وكان الفقيد «أبو تركي» يبالغ في إكرامنا - جزاه المولى عنا خير الجزاء - وستظل تلك الرحلة الجميلة باقيةً في شعاب نفسي مدى العمر:
فَأَحسَنُ الحالاتِ حالُ امرِئٍ
تَطيبُ بَعدَ المَوتِ أَخبارُهُ
يَفنى وَيَبقى ذِكرُهُ بَعده
إِذا خَلَت مِن شَخصِهِ دارُهُ
تغمده المولى بواسع رحمته ومغفرته - وألهم أبناءه وبناته وعقيلته وأسرة الحمدان الصبر والسلوان.
** **
- عبد العزيز بن عبدالرحمن الخريف