خالد بن حمد المالك
أمريكا تتغير بسرعة، تتراجع إلى الخلف بأكثر مما كان يُتوقع، فمن فترة لأخرى يعلن عن إطلاق نار في الشوارع والمدارس والجامعات والمحلات التجارية والمقاهي والمطاعم، ويترتب عليها قتلى وجرحى وفرار المعتدي، وهو ما لا يحدث في الماضي، أي أن الأمن الذي كان مستتباً بالولايات المتحدة الأمريكية لم يعد الآن كذلك.
* *
في شأن آخر، كانت أمريكا ضمانه لتحويل الدول والشركات والأفراد أموالها للبنوك الأمريكية، أما الآن وبعد أن عاث الفساد في المؤسسات المالية الأمريكية، وأصبح إفلاس البنوك يتكرر، وتضيع إيداعات من وثق بها، فلم تعد الوجهة الصحيحة والآمنة لمن يرغب في إيداع أمواله فيها.
* *
أمريكا أيضاً كانت في الماضي دولة تحترم علاقاتها بالدول الأخرى، وتتمسك بالتزاماتها دون إخلال بما يتم الاتفاق عليه، بل وتدافع عن الدول الصديقة لها، وتتفهم أوضاعها، وتعمل على أن تكون دولة موثوقة لكل حلفائها، لكنها الآن أصبحت غير مبالية بذلك، بل إنها تتصرف وكأنها بأنانيتها تريد فك ارتباطها مع حلفائها وأصدقائها التاريخيين.
* *
وأمريكا التي كانت بالأمس الدولة العظمى، ومصدر القوة في العالم عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، هي اليوم تتراجع لصالح الصين، وتتصرف على نحو يسرِّع باحتلال الصين للصف الأول بين الدول الكبرى، ما جعل علاقاتها متوترة حتى من أصدقائها، فها هو الرئيس الفرنسي يعلن أهمية عدم انسياق الدول الأوروبية مع سياسات أمريكا، وتوجهاتها العسكرية بعد عودته من زيارة للصين.
* *
ما الذي يحدث الآن في أمريكا في ظل الحديث عن إضعاف دور الدولار في المعاملات المالية الدولية، وما الذي سيحدث لأمريكا إذا ما نجح المخططون في ذلك، وأصبحت بعض العملات الأخرى موازية للدولار في التعاملات بين الدول، وهو ما يشير - إن حدث - إلى ضربة أخرى لدولار أمريكا اليوم مقارنة بما كان عليه من قوة في الأمس.
* *
أمريكا تتعامل الآن مع دول العالم بفوقية، وتتصرف دون أن تحسب لأي تداعيات خطيرة تنتج عن ممارساتها، وهي لا تقدِّر التطورات والمستجدات التي زادت من دخول دول أخرى منفردة أو مجتمعة في مواجهة القوة العسكرية الأمريكية التي بقيت على حالها، فيما تطورت لدى دول أخرى بأسرع مما قدرتها واشنطون، وهو ما يجعل أمريكا حتى عسكرياً في موضع اختبار حقيقي إذا ما كان هناك تهديدات صينية لجزيرة تايوان، يتبعها احتلالها عسكرياً، وربما تكون تداعياتها الحرب مع أمريكا.
* *
مرة أخرى، أمريكا هي أمريكا بين الأمس واليوم مع التغيرات التي أشرنا إليها، ولكن الصين وروسيا ليستا الآن كما كانتا من قبل، فقد زاد التنسيق بينهما، وتنامت القوة العسكرية والاقتصادية لديهما، وفي المقابل حلفاء أمريكا لم يعودوا معها كما كانوا من قبل، والدليل ما كشف عنه الرئيس ماكرون.
* *
ولكي تبقى أمريكا هي القوة الأولى عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، فعليها أن تراجع حساباتها، ولا تستهين بقوة الآخرين، ولا تفرِّط بحلفائها، ولا يكون سلوكها أنانياً لا ينظر لمصلحة الدول الصديقة والحليفة، وإن لم تفعل، فليس هناك ضمانات دون تغييرات مدوِّية.