محمد سليمان العنقري
ساهمت القرارات والأنظمة الحكومية بتحقيق نجاح كبير جداً في سوق الإسكان منذ تأسيس صندوق التنمية العقاري قبل أكثر من 45 عاماً وكذلك النهضة الواسعة بالتنمية الحضرية بالمدن وتقديم منح الأراضي وغيرها من طرق الدعم والتحفيز التي وفرت الكثير من التكاليف على المواطنين عند بنائهم لمساكنهم لكن السنوات الأخيرة شهدت تحولاً في أنظمة الدعم السكني، حيث أصبح الصندوق يسدد تكاليف التمويل لمستحقي الدعم وذلك بالشراكة مع قطاع التمويل التجاري مما وفر الفرصة لمئات الآلاف من طالبي الدعم للحصول عليه وارتفع تملّك السكن لأكثر من 60 بالمائة من 47 قبل حوالي خمسة أعوام، حيث تم ضخ أكثر من 400 مليار ريال كقروض عقارية تكفل الصندوق بدفع تكاليفها بينما المستفيد يسدد أصل القرض فقط والذي يصل سقفه إلى 500 ألف ريال كما حصل البعض من حالات معينة على دعم إضافي من الصندوق مباشرةً مما ساعد في استفادة 1.4 مليون مواطن من الآلية التي انتهى العمل بها في الربع الأول من هذا العام وتم الانتقال لمصفوفة دعم جديدة تستهدف بشكل أساسي أصحاب الدخل المنخفض بالإضافة لمنتجات تمويلية مختلفة تخدم احتياجات متعددة كما أن شركة اعازة التمويل العقاري الحكومي تلعب دوراً مهماً في توفير السيولة للممولين التجاريين عند الحاجة.
لكن ما هي التحولات المهمة التي يجب التركيز عليها في سوق العقار السكني فبخلاف ارتفاع أسعار الفائدة والذي عادةً ما يؤثِّر على حجم عقود التمويل العقاري بخفض عددها وهذا ما حدث فعلياً والذي انخفض بشهر فبراير الماضي بنسبة 19 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، كما يتأثر بذلك المطورين والمقاولين بارتفاع تكاليف التمويل عليهم مما يجعلهم يعيدون النظر بالجدوى الاقتصادية من كل مشروع قيد الدراسة أو تحت التنفيذ، كما أن الإعلان عن العديد من المشاريع السكنية التي ستطرح بقيم منخفضة لابد أن لذلك تأثيرات مهمة من حيث توجيه السوق نحو منتجات متنوعة بالحجم والسعر وتلائم شرائح عديدة من طالبي تملك السكن فمسؤولي قطاع الإسكان ذكروا بمناسبات عديدة أن الأسعار مرتفعة ولعل ما اتخذ من خطوات إضافة لتخصيص أراض بمساحات ضخمة لزيادة المعروض من الأراضي إضافة لتعديلات قادمة على لائحة رسوم الأراضي سيكون ذلك الأثر الذي يستهدف توازن السوق وتمكين الطلب ومنع حدوث فقاعة بالأسعار أو انهيار لأن لكلا الاتجاهين سلبيات كثيرة ومعالجتها مكلفة وتضعف نشاط القطاع الذي يعد محرك مهم ورئيسي بالاقتصاد المحلي ويرتبط به أكثر من 110 أنشطة وولد ملايين فرص العمل.
لكن من المهم أيضاً ارتفاع الوعي من المستفيدين الباحثين عن تملّك السكن بعد كل هذه الجهود الرسمية بتطوير القطاع وتعزيز حوكمته وكذلك تفعيل أنظمة الرهن والتمويل العقاري بالإضافة لتشريعات تدعم نشاط التطوير العقاري، حيث يفترض أن يميز المستفيد بين أن يعتبر زيادة التمويل حلاً رغم أن ذلك قد يعني غالباً رفع الأسعار كون تن زيادة المعروض النقدي تدعم زيادة الطلب الذي لن يتمكن العرض من مجاراته لأن المنتج السكني يأخذ وقت ليس بالقصير ليتم تسليمه للمستفيد وبذلك قد ترتفع نسبة الاستقطاع ومدة السداد بينما توفير منتج سكني منخفض يقلل الحاجة لمبلغ التمويل وكذلك نسبة الاستقطاع ومدة السداد فعند المقارنة فعلياً بين الاتجاهين يبقى طرح منتجات متنوعة المساحة والسعر وتناسب دخل أغلب الشرائح وفق المعايير الإرشادية العالمية التي تقول أن قيمة المسكن يفضل أن تكون بما يوازي دخل المشتري بأربعة أو خمسة أعوام بالمتوسط وكلما كان الاستقطاع قريباً من 30 بالمائة فيعد ذلك أيضاً عامل مهم لمنع تعثر المستفيد ولا يؤثر على تأمين احتياجاته الأساسية ولذلك فحتى لو كان التمويل بدعم مقبول أو دون الحاجة لدعم حسب وضع دخل المستفيد لشراء مسكن منخفض القيمة يبقى أرخص من وجود دعم كبير لشراء مسكن مرتفع القيمة ويقتطع نسبة كبيرة جداً من الراتب ولسنوات طويلة، أما العامل الآخر والذي يفترض أن تشارك بنشره المكاتب الهندسية وشركات التطوير مع دعم من الجهات الرسمية فهو تعزيز ثقافة «الاستخدام الأمثل للمساحات» أي أن تعرف كل أسرة كم المساحة المناسبة لها لكي تختار مسكن مريح يلبي احتياجاتها ويوفر عليها تكاليف الصيانة وفواتير الخدمات.
استدامة قطاع الإسكان وزيادة وتيرة نشاطه لها أهمية بالغة بدعم النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات وتوليد فرص العمل والتحول لصناعة عقار حقيقية لكن ذلك يتم أيضاً بمشاركة من كل الأطراف للوصول لتلك الأهداف فهذا القطاع لها أبعاد عديدة لكن معالجته وتنظيمه دائماً يؤثر بها البعد الاقتصادي نظراً لعمق تأثيره بكافة القطاعات والأنشطة مما يجعله فعلياً الركيزة الرابعة بالاقتصاد المحلي فمن الضروري أيضاً أن يكون الوعي والإدراك لدى المستفيد عالياً بحساب تكلفة المسكن الذي يحتاجه وأن لا يظن أن الحل يأتي فقط من رفع مبلغ التمويل، بل إن الزيادة والتنوع بالعرض مساحةً وتكلفةً هو الحل الحقيقي لسوق إسكان ناضج وبحلول تمويلية غير مرهقة.