عبدالمحسن بن علي المطلق
قرب (العيد) والذي أعلى وجوه فرائحه الاجتماع، وهذا وجه داعٍ للتالي:
يقول أحدهم أجلس مع أصحابي في الاستراحة ويخاض بيننا مواضيع شتّى ولأني «عود من حزمة»، أي لست بمهيمن عليهم.. فقد يطرق مواضيع أنا من داخلي لا أحب الخوض فيها ولا حتى سماعها، مثل حوادث المرور الحرائق سلّمنا الله جميعاً. فاضطر كي لا أهجر الأصحاب (تذكرت قول الصحابة -رضي الله عنهم - للنبي -صلى الله عليه وسلّم -.. عن الجلوس بالطرقات..) مما لا بد للمرء من التحمّل، فالمهم أقوم بعد الشروع بسرد أحد تلك الحوادث لأني مدرك أن قصة ستجلب نظيرتها و.. لأنشغل بجوالي خارجاً، حتى أتوخى أنهم غيّروا البوصلة.. أقصد وجهة حديثهم لموضوع آخر
مما لا يعني أنك تسكّت المجتمع! بالذات في المباحات، ولكن لك الاعتزال ولو برهةً ما يُعرض بها لتلك القصص
فالمرء اجتماعي بالفطرة والانعزال هو نهج شاذ مهما برر له بعض الحذّاق، بل حتى لو سمعت عن ذكيّ ألمعيّ ينتهجه!
لأن ليس ذاك سلْم المرء المسالم مع معطيات ربنا للبشرية، فتذكرت - بالمناسبة- نوعية (والحمد لله نادرة) تسمع عن عالم ما إنه لم يتزوّج طوال عمره، فللِهِ درّ الإمام أحمد -رحمه الله - وقد ردّ على من ساق ذاك ليبرر له.. بـ(وقعنا في بُنيات الطريق)!
ومعناها (الطرق الصغيرة المتشعِّبة من الجادّة)، وقد يراد بها الصعاب والمعاسف. إذ كانت العرب تقول للرجل إذا أرادوا وعظه: الزم الجادّة ودع بنيَّات الطريق.
ولا عجب لأنهم (يكنون - ببنيَّات الطريق - عن الكذب والأباطيل، فيقول الرجل لصاحبه:
دع بنيَّات الطريق أي عليك بمعظم الأمر وجوهره، وجانب عنك الروغان واللف)- منقول-
قال محمود الوراق:
تنكب بنيَّات الطريق وجورها
فإنك في الدنيا غريب مسافر
وقال الحكم بن عبدل الأسدي في قوم يذمهم:
سلكوا بنيَّات الطريق، فأصبحوا
متنكّبين عن الطريق الأكبر
المهم ها هنا أنه كم ممن اعتزل فكان وبال العزلة عليه من هموم وغموم ... إلخ ما نتاجه أضعاف مكاسبه جراء تلك العزلة
وعلى هذا فدع بيدك «ريموت كنترول» لذاتك إن صح التمثيل.. لتقوم بالوقت المناسب، وتعود - أيضاً- بالوقت المناسب
فمسك العصا من النصف يجنّب أحد طرفيها الميل بها.. وربما مادت بك الحال إلى أن تكون كالغريب في وسط أهلك، أو كالغريق بطبائع بالتأكيد (عاقلة) الأمة لا تحمدك عليها.
ثم وإن ألفى مثل هذا معذّراً له.. فقد يأتي إليه بتلك الأعذار إما مجاملة، أو نوع من تطييب خاطر.. فحسب..
فالخروج عن الفطرة مهما ظن فاعل هذا هو نوع من الامتعاض الخفيّ الذي لا ينحاه عاقل، لأن الألفة والجمع، بل الارتباط بمن حولك أحد معطيات الحياة (جنة بلا ناس لا تداس)، ما يعني أن خلاف هذا انتكاسة بالفطرة.
لكن.. ولكل موضوع استثناءات تتبع..
للمرء أن يعتزل فترة مثلاً، أو (له) أن يبعد عن مجالس تستخفّ بآداب قومه -مثلاً-، فضلاً عن تعاليم دينهم، لكن أن يكون ذاك ديدنه، وفي تحوّل إلى أصل.. فهذا لا ولن يقبل منه، وهو في قياس الناس من الخاسرين.