أحمد المغلوث
اضطر «أو حيمد» هكذا كان يسميه البعض من أفراد أسرته للوقوف على رؤوس أصابعه حتى يستطيع الوصول للصندوق الحديدي المزخرف بالورود والذي كان موضوعاً فوق دولاب غرفة نوم والدته, كان ما زال في مرحلة مابين الطفولة والفتوة لم يتجاوز عمره الثامنة «أضمر» من السيف أو أضمر, كان جميع زملاء الدراسة يغبطونه فهو يجيد الرسم والخط لذلك كانت كيسة «القرقيعان» التي رسم على أطرافها ووسطها زهوراً ووروداً زاهية محاكياً تلك التي توجد في «دواشق» مجلس الرواق أو غرفة السطح. كان يعتز بهذه «الكيسة» التي خاطتها له شقيقته الحبيبة فباتت كيسته كيسة فريدة في زمن لم يكن هناك اهتمام بالرسم على الأقمشة فكانت بلونها الناصع البياض ورسومه وألوانه الذي استخدم فيها ألوان العلب جمالاً وتميزاً.
كانت خياطة شقيقته للكيسة دقيقاً خاصة أنها عملت لها «علاقة: من بقايا أقمشة الفساتين التي كانت تخيطها لوالدتها أو شقيقتها الصغيرة خاطتها أعلى الكيسة وبشكل تتيح بسهولة الإمساك بها باليد أو تعليقها فوق الرقبة.. دخلت والدته وابتسامة تلوب حول شفتيها وقالت له انتبه يا ولدي لا تطيح تطّلع إليها باسماّ وقال: خلاص أمسكت بكيسة القرقيعان تراها نفس كيسة العام ما تغيرت فراح يتحسسها وقال تصدقين فيها حلاوة مصاصة منسية.؟ ثم قال:.. ما بقي إلا ساعات على موعد جولتنا أنا وعيال عمي وبعض من أبناء وبنات الجيران. فردت والدته الله يفرحكم ويسعدكم, لكن الله يحفظكم لا تروحون حارات بعيدة ترى فيها أولاد «شريين» وسراق يخفون الكحل من العين. فقال: دون أن ينظر إليها لا تخافين أعرف. وعلى العموم جولتنا لا تتجاوز حارتي السياسب والعيوني. نظر نظرة سريعة لوالدته وهي تفترش سجادة الصلاة وقال لها أدِّ الله يوفقنا أن نحصل «قرقيعان» فيه جنيه ذهب ولا ريال فضة.. وقبل أن تكبر للصلاه قالت: كل اللي يعطونكم إياه خير وبركة.. نعم يا أمي.. مضى الوقت سريعاً.. وحال عودته مع والده من صلاة التراويح في جامع الإمام فيصل اتجه إلى غرفة والدته وتناول «بقشة» القرقيعان وكان ينتظره شقيقاه والبعض من أبناء عموته وجيرانه فلقد قرروا أن ينطلقوا في جولتهم القرقيعانية بعد ساعة من الآن وهم يرددون قرقع قرقع يا رمضان عطونا الله يعطيكم بيت مكة يوديكم إلخ. وكان كل بيت يزورونه تضع سيدة البيت «طبقه» في بقشاتهم من المكسرات والحلويات. ولكنه يذكر جيداً أن زوجة ابن عمه أم حمد وضعت في بقشته ريال فضة ذهب. مع الأشياء الأخرى وهكذا فعلت مع الآخرين لكنهم لم يلاحظوا ذلك. مضت أكثر من ساعة على جولتهم وفي أحد السباطات المظلمة كان أحد الأولاد يتربص بهم شراً وبسرعة البرق اقترب منه واختطف منه بقشته وجرى ركضاً في اتجاه الطريق المؤدي إلى عين الحارة. وراح يصرخ حرامي حرامي. سرق بقشتي. وما هي إلا لحظات وخرج رجل من بيتهم وكان بابه يفتح على السباط وراح يسأله. هل تعرف شكله. فرد وهو يبكي. كان «متلطم» ورد ولد آخر قائلاً: شكله «عتوي» كاد ينتزع يده مع البقشة لكن الله سلم. فرد الرجل: الحمد لله على سلامتك يا ولدي زين ما أسقطك أرضاً وربما أصبت بكدمات أو أحدث لك عاهة. وعاد الأولاد من جولتهم وهم يسحبون أقدامهم من فرط خوفهم وما حدث لرفيقهم صاحب» القرقيعان المخطوف.. وواصل «صاحبنا»البكاء حتى دخل بيتهم ورمى بجسده متعباً في حضن والدته وسط دهشة من في بيتهم من الأشقاء. ومن رافقه من أبناء عمومته. وراحت والدته تواسيه وتحمد الله على سلامته بعدما أخبرها بما حدث. وقالت ولا يهمك بعدما يعود والدك يعطيك ما فقدته. أبشر بالخير..