عبدالرحمن الحبيب
«قد يشعر الصحفيون والسياسيون والشعراء بالقلق البالغ بشأن الجوانب الدلالية للتواصل (بالروبوتات)، ولكن الكثير من مهندسي الذكاء الاصطناعي لا يأخذون ذلك في الاعتبار. إنهم ينظرون إلى المعلومات الواردة في الرسالة كمقياس لاضطراب نظامها. لهذا السبب تكمن مخاطر الذكاء الاصطناعي بخلق فئة جديدة من الأسلحة في حربٍ على الحقيقة». هذا ما تقوله صحيفة الجاردن عن روبوتات الذكاء الاصطناعي التي تنتج نصوصاً نثرية موضوعية أو فنية، والتي تم تطويرها مؤخراً سواء روبوت المحادثة «تشات جي بي تي» من مايكروسوفت أو روبوت «بارد» من جوجل، فلماذا هذا القلق؟
القلق - حسب الصحيفة - بسبب المنافسة التجارية التي يحركها الربح لإدخال الذكاء الاصطناعي في حياتنا اليومية، فالبشر مبهورون بهذه بالآلات «الذكية» ويخدعون أنفسهم من خلال الاعتماد المفرط عليها ويقوضون الممارسات التي يعتمد عليها فهمهم مما يضعف مستوى الذكاء والإدراك عند البشر. قدرة الذكاء الاصطناعي بالرد على أي سؤال بلغة تبدو وكأنها إنسان، يعطي انطباعاً بأن هذه الأجهزة لديها نوع من النية وحتى الإحساس، لكن هذا سراب، لأنها قد تخطئ في الحسبة الرقمية وتنتج نصًّاً عنصريًّا ومتحيزًا ومضللًا، فلا يوجد لهذه الأجهزة أي عاطفة أو حنين أو مخططات أو تفكير، كما لا يوجد لها أي إحساس بما هو صحيح أو خطأ.
فلماذا كل هذه الضجة؟ باختصار: المال، حسب الصحيفة التي ترى أن المبالغة في احتفال الناس بروبوتات الدردشة وثقتهم بمعلوماتها لا يعني أن هذه المعلومات صحيحة. يتمتع البشر بسجل طويل من التفكير بالتمني والتقليل من مخاطر الاختراقات التكنولوجية الجديدة؛ وهي الآن مدفوعة بالمصالح التجارية لعمالقة الويب، مما يشجع البشرية على التخلي عن مسؤولياتهم للآلات الذكية بما يتجاوز نطاق اختصاص هذه الأجهزة... لا يكمن الخطر في معاملة الآلات مثل البشر، بل يكمن الخطر في معاملة البشر مثل الآلات حسب تعبير الصحيفة.
لكن قد يرى البعض أنه لا داعٍ للمبالغة في خطورة ذلك إذا تم حصر استخدام روبوتات المحادثة بالمتعة الأدبية والألعاب الترفيهية، مع عدم استخدامها للمحادثة العلمية أو المعلومات الموضوعية الجادة بعد أن تبين أن مثل هذه البرامج يمكن أن تنفث بالهراء «العلمي» والمعلومات الخاطئة.
فما الخطورة عندما تتمكن الآلات من إنتاج نص عالي الجودة بواسطة هذه البرامج المعقدة جدًّا، ويصعب تمييزها عن تلك التي يكتبها الإنسان، فهذه البرامج تعمل من خلال التنبؤ بالكلمة التالية في الجملة التي تكتبها في استعلامك، مستندة على نموذج لغة هائل الضخامة يحلل ملايين النصوص من الإنترنت، لتنتج محتوى أصليًّا تمامًا، كما يمكنها أن تكتب لك الشعر والمقالات بأسلوب مؤلفك المفضل إذا كنت ترغب في ذلك، وكذلك تأليف موسيقى من دمج مقطوعات ...إلخ.
لكن حتى في هذه الحالة للنصوص الجمالية في الفن والأدب، هناك بالتأكيد العديد من الإشكالات مثل ما يتضمن الإدراك والتصرف والاستجابة السلوكية داخل النص، حسب أستاذ الفلسفة بجامعة نيويورك ديفيد تشالمرز؛ إذ قد يُنشئ البرنامج نصًّا صحيحًا نحويًّا لكنه غير مرتبط بالواقع، مثلًا «أن الأمر يتطلب قوس قزح للقفز من هاواي إلى 17»، هي جملة بلا معنى. تقول ميلاني ميتشل، أستاذة الكمبيوتر عن البرنامج: «ليس لديه أي نموذج داخلي للعالم - أو أي عالم آخر - وبالتالي لا يمكنه القيام بالتفكير الذي يتطلب مثل هذا النموذج».
هذه البرامج «ليست عقلًا، ولكنها أيضًا ليس آلة بالكامل». حسب تعبير أستاذة فلسفة الإدراك ريجينا ريني، موضحة بأنها شيء آخر: تمثيل تجريدي إحصائيًّا لمحتويات ملايين العقول التي تم التعبير عنها بكتاباتهم. ينطلق نثرها من مسار استقرائي يستوعب كميات هائلة من مليارات كلمات الإنترنت البشرية. عندما يتحدث البرنامج، فنحن فقط الذين نتحدث عبر تحليل منكسر للمسارات الدلالية الأكثر احتمالية التي يسلكها التعبير البشري. عندما ترسل نص طلب البحث إلى البرنامج فأنت لا تتواصل مع روح رقمية فريدة، لكنك تقترب أكثر من أي شخص آخر يتحدث حرفيًّا إلى روح العصر. ومن هنا ترى ريني أن البرنامج ينتج مزيجًا من الترابط المنطقي والافتقار للعقل مما يثير القلق، ويجعلنا نقترب خطوة أخرى من مشكلة معيارية.
إذا كانت التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يمكنها تأليف الأعمال الأدبية من شعر وقصة أو الأعمال الفكرية من فلسفة، فإن المؤلفين بإمكانهم أن يلجؤوا لهذه التقنية لمساعدتهم في إكمال أعمالهم إذا استعصت عليهم، باستخدام التكنولوجيا لتبسيط عملية الكتابة وجعلها سلسة عندما تكون في منتصف مرحلة تأليف كتاب أو عند مرحلة مفصلية معقدة لم تستطع إدارتها ومعالجتها..
إلا أن الخبراء يحذرون من الإفراط في الاعتماد على هذه التقنيات، وأنها قد تؤدي بالروائيين إلى مجرد تشتيتهم عما يريدون عمله دون فائدة تذكر، لكن مايكل غرين يعتقد أن التكنولوجيا ستحتل مكانة أبرز، عندما يلمع جيل الكتاب الجدد الذين لديهم توجه تكنولوجي؛ ويقول: «ما أجده في جيل الألفية الجديد وحتى الكتاب الأصغر سنًّا هو أنهم ينظرون للتكنولوجيا لترشدهم.. إنهم يرونها كأداة للتعلم والنمو، بدلاً من كونها عملًا فائضًا».