الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
ختان الذكور.. سنة بدأت منذ عهد سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء، وتأكدت بعده في ذريته من الرسل الذين اختتنوا ودعوا أقوامهم إلى الختان تحقيقاً لطهارة البدن والوقاية من الأمراض وغيرها من الفوائد الصحية والنفسية التي تكشفت تباعاً أمام العلم الحديث، فاعترف بأهمية الختان، ودعا إليه، حتى أن كثيراً من الأمم غير المسلمة وأهل الذمة عادوا إلى هذه السنة بعد أن علموا ما فيها من فوائد وهو ما يؤكد أن الختان من الفطرة السليمة..
لكن ما هو الختان؟ وكيف يتم؟، وما هي فوائده؟، هذا ما نطرحه خلال هذا التحقيق:
الختان رأس الخصال
يقول الدكتور محمد بن سعد الحنين الأستاذ المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية إن الإسلام دين خالد مناسب لجميع العصور وصالح لجميع الأمم، ولا يستتب ذلك إلا إذا بنيت أحكامه على أصول الفطرة الإنسانية ليكون صالحاً للناس كافة وللعصور عامة وقد اقتضى وصف الفطرة أن يكون الإسلام سمحاً يسراً لأن السماحة واليسر مبتغى الفطرة.
قال ابن عطية: الفطرة هي الخلقة والهيئة التي في نفس الإنسان التي هي معدة ومهيأة لأن يميز بها مصنوعات الله، ويستدل بها على ربه ويعرف شرائعه. اهـ. فهي النظام الذي أوجده الله في كل مخلوق، باستنتاج المسببات من أسبابها والنتائج من مقدماتها فطرة عقلية.
ومن خصال الفطرة التي اتفقت عليها الشرائع السماوية وأكد عليها دين الإسلام الختان فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط». فجعل الختان رأس خصال الفطرة.
الختان للذكر
ويشير الدكتور محمد الحنين إلى أن الختان يكون للذكر، والخفاض يكون للأنثى: يقول النووي –رحمه الله- فختان الرجل: قطع الجلدة التي تغطي الحشفة حتى تنكشف جميع الحشفة، ويقال لتلك الجلدة: القلفة، وأما من المرأة، فتقطع من اللحمة التي في أعلق الفرج فوق مخرج البول، وتشبه تلك اللحمة عرف الديك، فإذا قطعت، بقي أصلها كالنواة.
وقد اتفق الفقهاء على مشروعية الختان للرجال والنساء، لكنه واجب في حق الرجال، سنة في حق النساء وليس بواجب عليهم لكنه أفضل فعله، كما دلت عليه الأدلة المستفيضة من النصوص الشرعية.
وإنما تباين حكم الختان بين الرجل والمرأة بين الوجوب والسنية؛ لاختلاف المقصود، يقول ابن تيمية -رحمه الله-: وقد سئلَ عَن المرأة هَل تختتن أم لا؟ فأجاب: الحمد للّه، نعم، تختتن، وختانها أن تقطع أعلى الجلدة التي كعرف الديك، قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم -: للخافضة وهي الخاتنة: «أشمي ولا تُنْهِكي، فإنه أبهي للوجه، وأحظي لها عند الزوج»، يعني: لا تبالغي في القطع، وذلك أن المقصود بختان الرجل تطهيره من النجاسة المحتقنة في القلفة، والمقصود من ختان المرأة تعديل شهوتها.
وإذا تبيَّن أنّ الختان واجب في حق الرجال فإن الفقهاء بينوا حالات يسقط فيها الوجوب:
- من ذلك: أن يولد الرجل ولا قلفة له فهذا مستغن عن الختان إذا لم يخلق له ما يجب ختانه وهذا متفق عليه.
- ومن مسقطاته أيضاً: ضعف المولود عن احتمال الختان بحيث يخاف عليه من التلف، ويستمر به الضعف فهذا يعذر في تركه إذ غايته أنه واجب فيسقط بالعجز عنه كسائر الواجبات.
- ومنها: أن يسلم الرجل كبيراً ويخاف على نفسه منه فهذا يسقط عنه عند جمهور الفقهاء.
وللختان فوائد طبية أثبتتها الدراسات الحديثة تبين أهميته، وكيف أن تركه يسبب الأمراض:
جاء في مجلة «طبيبك الخاص»: لقد دلت نسبة الاحصاءات على أن سرطان الرحم عند زوجات المختونين أقل بكثير من نسبتها عند زوجات غير المختونين.
وقد كتب البروفسور -wisewell- رئيس قسم أمراض الوليدين في المستشفى العسكري بواشنطن – مقالاً في مجلة American family physician في عام 1990م:
لقد كنت في عام 1975م من أشد أعداء الختان، وقد شاركت في الجهود التي تحد من الختان، إلا أنه في بداية الثمانينات أظهرت الدراسات العلمية ازدياداً في نسبة التهاب المجاري البولية عند الأطفال غير المختونين. وبعد تمحيص دقيق عن الدراسات التي أجريت على الختان أصبحت من مؤيديه وإجراؤه لكل طفل.
وختم البروفسور مقاله بأنه في يوم 8 آذار 1988م صوت أعضاء الجمعية الطبية في كاليفورنيا بالإجماع على أن ختان الوليد صحية وفعالة.
جاء مجلة (اللانست) البريطانية الشهيرة في إحدى مقالتها: إن ختان الأطفال في الفترة الأولى من العمر يمكن أن يخفض نسبة التهاب المجاري البولية عند الأطفال بنسبة 90 في المائة.
ويقول الدكتور «شوين» من أشهر أطباء الأطفال في العلم: إن الأدلة العلمية تشير إلى أن العناية بنظافة الأعضاء التناسلية لا تزال سيئة، ففي دراسة على أطفال المدارس البريطانيين غير المختونين، وجد أن العناية بنظافة الأعضاء الجنسية سيئة عند 70 في المائة من هؤلاء الأطفال، وفي دراسة أخرى في الدنمارك، يتبين وجود التصاقات في القلفة عند 63 في المائة من الأطفال غير المختونين في سن السادسة من العمر.
ونشرت المجلة الطبية البريطانية B.M.J 1987م مقالاً: بأن مرض سرطان القضيب نادرا جدا عند البلدان الإسلامية.
وبهذا يتبين محاسن هذه الشريعة الإسلامية ومواءمتها للفطرة، وتحقق المصالح ودرأ المفاسد باتباع أحكامها. يقول ابن القيم -رحمه الله -: الختان من محاسن الشرائع التي شرعها الله سبحانه لعباده ويجمل بها محاسنهم الظاهرة والباطنة فهو مكمل للفطرة التي فطرهم عليها ولهذا كان من تمام الحنيفبة ملة إبراهيم وأصل مشروعية الختان لتكميل الحنيفية فإن الله عز وجل لما عاهد إبراهيم وعده أن يجعله للناس إماما ووعده أن يكون أبا لشعوب كثيرة وأن يكون الأنبياء والملوك من صلبه وأن يكثر نسله وأخبره أنه جاعل بينه وبين نسله علامة العهد أن يختنوا كل مولود منهم ويكون عهدي هذا ميسما في أجسادهم فالختان علم للدخول في ملة إبراهيم وهذا موافق لتأويل من تأول قوله تعالى «صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ». على الختان فجعل الله سبحانه الختان علما لمن يضاف إليه وإلى دينه وملته وينسب اليه بنسبة العبودية والحنيفية حتى إذا جهلت حال إنسان في دينه عرف بسمة الختان ورنكه وكانت العرب تدعى بأمة الختان.
النظافة في الختان
ويوضح الدكتور محمد شعيب اليافي، طبيب المواليد والخدج بمستشفيات الحمادي بالرياض ختان الذكور كعملية بأنه قطع القلفة، وهي قطعة الجلد المحيطة بالحشفة، مؤكداً أنه بقطعها تتحقق الطهارة أكثر، والختان أطيب للنكاح إذا ما بلغ الإنسان، كما أنه أقرب للنظافة بعد التبول، فبدون الختان تبقى النجاسة، ولا تكتمل الطهارة، وليس أدل على أهمية الختان للصحة والطهارة من أن الرسول عليه الصلاة والسلام ولد مختوناً مسرورا ًأي مقطوع السرة، وهذا من كمال الخلق له، فلم تتكشف عورته لغير زوجاته أمهات المؤمنين، وهو ما يفند أباطيل الأصوات الضالة التي تظهر بين الفينة والفينة تنتقد الختان، وهذه الأصوات تأتي من نفوس مريضة، أفسدت فطرتهم بذنوبهم، ففسد حكمهم ومنطقهم، وزاغت بهم الأبصار بغيها، ويستحسن في ختان الذكور والكلام للدكتور شعيب، قص القلفة المحيطة بالحشفة حتى تنكشف الحشفة، والوجوب على الذكر أكثر من الأنثى.
وحول أنسب أوقات الختان وطرقه يقول د. شعيب لا ينصح الختان في اليوم الأول بعد الولادة، وبعده ممكن، ويفضل في اليوم السابع فما بعد، إلا إذا كان المولود صغيراً فيستحسن الانتظار بعض الشيء حتى يكبر وينمو قليلاً.
وعن فوائد الختان من الناحية الطبية يقول د. اليافي، تعددت الدراسات الطبية التي تبين فوائد الختان، والتي أثبتت انخفاض نسبة السرطان كثيراً عند الذكر، أو سرطان عنق الرحم عند الأنثى المتزوجة منه، كذلك انخفاض نسبة الالتهابات المهبلية عند المتزوجات من مختونين طاهرين وهو ما يؤكد أن الختان أطيب للنفس وأزكى للبدن.
وطرق الختان كثيرة، وكلها من حيث المضمون واحدة، وهي إزالة القلفة وهي قطعة الجلد المحيطة بالحشفة، وقديماً كانوا يقطعونها بحديدة تشبه الموس، وتترك حواف الجرح حتى تلتحم وتندمل مع بعضها وذلك يتم عادة خلال سبعة إلى عشرة أيام، ويخشى بهذه الطريقة من حصول بعض النزف، لكن الختان الماهر يقوم بها وهو ضاغط على حواف الجرح مانعاً للنزف، ومع التطور العلمي أصبح يتم استخدام بعض المراهم المضادة للعفونة، والطريقة الجراحية ليست بعيدة عن ذلك، فالجراح يتأكد بتحليل الدم من سلامة نسبة عوامل التخثر قبل الجراحة ويضيف غرزاً على طرفي الجرح لضمان اقتراب الحواف من بعضها وضامناً لقلة النزف أيضاَ.