حنان بنت عبدالعزيز آل سيف
الشيخ علي بن مصطفى بن أحمد الطنطاوي أمة في رجل، وموسوعة في قلم، أديب الفقهاء، وفقيه الأدباء، ثم هو قارئ منهم شغوف من الطراز الأول، وحسبك أنه كان يقرأ جل يومه، وكان يقضيه بين جانبي مكتبته قارئاً وكاتباً ومحللاً وباحثاً.
وقراءة الشيخ الطنطاوي - رحمه الله عليه - هي العامل الأكبر الأهم في تشكيل فكره، وعلمه، وأدبه، وثقافته، وفي كتبه بما فيها ذكرياته إشارة إلى ثلاثة روافد كان لها القدح المعلى، والنصيب الأوفى في بناء شخصيته الفكرية، وقامته العلمية الدينية، وقد نص عليها وهي: أولاً: الدرس والتلمذ على مشايخ عصره، ومنهم الشيوخ الذين تحضرني أسماؤهم - كما نص عليهم الشيخ - والده حيث كان أمين الفتوى بدمشق، والشيخ بهجة البيطار، والشيخ عز الدين التنوخي، والشيخ عبد القادر المبارك، والشيخ عطا الكسم، والشيخ أبي الخير الميداني والأستاذ سليم الجندي - رحم الله الجميع -
ثانياً: المدارس النظامية، ثالثاً: المطالعة والقراءة وهي العامل الأقوى في قدح زناد فكره الثقافي وأسلوبه الأدبي، وفد تعلم منها الكثير الكثير فعرف كيف يحاور، وكيف يُفهم وكيف يدير عقول المستمعين، وعليه فالموهبة الفطرية لا تكفي وحدها في بناء الشخصية بل لا بد من العمل الكسبي من جد وجهد ومثابرة وانضباط ، سئل احد عباقرة الزمان عن سر عبقريته فقال: 1 % ذكاء و99 % تحصيل وجد واجتهاد. والشيخ عشق الكتب، فهو يقرأ حتى يجاوز حد الثمالة، فقراءته يومياً تزيد على مئة صفحة، وهو مكر مفر فقد يطيل الحزب حتى يصل إلى ثلاثمائة صفحة وهي همة تعجز عنها الطاقات وتقصر عنها الهامات. وهناك من المؤلفين المعاصرين من تيمته نهمة الشيخ وهمته فأشاد بهذه الملكة عند الشيخ، ونقلها للناس فأفاد وأجاد، ومن هذه الكتب الثرة كتاب: ( مدمن كتب )، ثمانون عاماً بين الكتب) وناسج الكتاب هو الأستاذ الفاضل: وضاح بن هادي، وقد قدم للكتاب بمقدمه جميلة جاء فيها: ( تعلقي بكتب وكتابات - - الشيخ... ليست جديدة بل هي قديمة تعود لبداية علاقتي مع القراءة والكتب - - كل كتاب أقرؤه يدفعني لتناول كتاب أخر، ومازاك إلا للأسلوب الذي تتمتع به كتب الطنطاوي )
وقد حسب الشكل الهندسي:-
1- مقتطف من حياة الطنطاوي.
2- إطلاله تعريفية بمكتبة الطنطاوي،.
3- قيمة الكتاب في حياة الطنطاوي
4- على الطنطاوي بقلم علي الطنطاوي،
1) الفصل الأول: حياته بين الكتب. ب. الفصل الثاني: حديثة عن الكتب والكٌتاب.
وختاماً: ملتقطات متفرقة من كتب الطنطاوي. وتذكر حفيدة الشيخ
1) ناديه العظم في كتابيها:
1- هكذا علمنا جدي علي الطنطاوي.
2) جدي علي الطنطاوي كما عرفته. أنه زرع حب القراءة في نفوس بناته وأحفاده، ومما أرشدهم إليه كيفية الإحاطة بموضوع الكتاب وذلك بقراءة عنوانه، ثم اسم مؤلفة ثم المقدمة ثم الفهارس وأخيراً الخاتمة إن وجدت.
كما علمهم كيف يتم تناول الكتاب من رف المكتبة وعدم قلبه حفاظاً على كعبه وعدم مسه بأصابع مبللة وقاية لورقه، وكان يطرح أفكاراً ويوجه للبحث عنها في مظانها مع توجيه المخطئ وإثابة المصيب ، وعلمهم جلد البحث والمثابرة على ذلك مما يرغب في القراءة ويثبت المعلومة وكان يكافئهم بشهادات تقدير مرسومة برسمه وخطه الجميل. وكان رحمه الله قد أقترح في كتبه طريقة سهلة لتعويد النشء على القراءة وذلك بالبدء بما هو خفيف وسهل، وقراءة خمس ورقات لزاماً في كل يوم.
( فليتعود الطلاب المطالعة بأن يقراؤوا كل يوم خمس صفحات— ص67 )، والقراءة عنده هي منهج حياة وكان معتداً بها في كتبه وذكرياته، وقد هيأ الله سمات له جمة ساعدت على إيقاد عزمه،
وإذ كاء عزيمته وهي: الذاكرة للاقطة لكل شارد ووارد، وحب العزلة ( فأنا طول عمري معتزل في بيتي - - ص 70 ) والتركيز على العمل الذي بين يديه ورهين ساعته ( وأنا حين أكون في المحكمة أوليها انتباهي - وإن كتبت - أبعد ذهنى عن المحكمة - ص 74 ) والقراءة هي ثمالة اللذة عنده ويليها الأخ الذي تزيد به الألفة وتزول عنه الكلفة، وكما قال خليفة عباسي: جربت اللذائذ كلها إلا أن أجد أخاً تزول عنه الكلفة، والطنطاوي قارئ في كل فن مرتشف لكل علم ( كنت - أقرأ في كل علم - وفي العلوم على تنوعها ص 87 )، وأول ما قرأه هو حياة الحيوان» للدميري ( وكان أول ما قرأت --- وهو كتاب عجيب ص 77 )،( وكان من أوائل الكتب التي نظرت فيها (( تذكرة داود )) ثم ظهر في مصر» إحياء التذكرة» - مؤلفة - د. رمزي القبطي --- ص 66 ) ومما قرأه ما لا يعد ولا يحصى فالأغاني لأبي الفرج الأصفهاني قرأه ثلاث مرات، وصيد الخاطر لأبن الجوزي فقد التهمة من كثرة مطالعته، وهو مع أخ له اشتركا في في تحقيقه والتعليق عليه والفرج بعد الشدة أتي عليه ثلاثين مرة، وتاريخ السيوطي أطال التمعن فيه ومعاملّه أبداً ( وأكثر م ا استهواه مذكرات المشهورين في التاريخ - وكتب الأدب - ص 52 )، ( ثم قرأت المستطرف والكشكول - ص 77 )،( هل تصدقون أني قرأت» الأغاني
كله،-- كم من أساتذة العربية من قرأه كله - ص 79 )،( وكنا - نرجع إلى الإصابة وأسد الغابة والاستيعاب وتهذيب التهذيب، وتهذيب الأسماء واللغات وابن خلكان والفوات ومعجم الأدباء وطبقات السبكي وتاريخ الخطيب وابن عساكر - وطبقات الحنفية - وأبن أبي اصيبعة - ص 81 )،( واستفدت - من - الفتاوي لابن تيمية - ص 82 )،( وكنا - نحسن المراجعة في حاشية الخضري، وفي المغني لابن هشام - ص 80 )،( واستفدت من نيل الأوطار، وسبل السلام وفتح الباري - ص 82 )، ولم يكن إدمانه للنظر في المكتوب قديماً فقط، بل للمعاصرين من عصرنا الحديث سهم صائب ( ولقد أمضيت - أكثر سني - وأنا عاكف على كتب الأدب القديم - ثم فتح أمامي الباب - وقرأت - العقاد - والمازني - الرافعي - وكنا نعرف طه حسين والزيات وهيكل ص 95،94،93 ) أما كتاب الشام فقد عرفنا محمد كرد علي، وشكيب أرسلان ومحب الدين الخطيب، وأعضاء الرابطة الأدبية - ص 96 ) وتظهر كتب الطنطاوي عامة أنه حصل من المجد ما حصل بتعليم ذاتي وتحصيل فردي ( ولم أكن لشغل أبي عني أجد من يرشدني ويدلني - كنت أسحب الكتاب - فأفتحه - فإن لم أفهمه أعدته،-- وإن فهمته قرأته - ص 77 )، والشيخ كان جماعة للكتب آية في اقتنائها تقول حفيدته: ( كانت سعادة جدي في اقتناء الكتب وامتلاك نفائسها ص45 وقد جمع منها مكتبه نفسيه تقبع في زوايا بيته الهادي ويحكى لنا الكتاب أمنيتين من أماني الشيخ: أولاهما: لم شمله بمكتبته التي كانت في الشام في 85 صندوقاً ولا يدري أسكنتها الهوام واكلتها الأرضة أم مازالت على قديم عهدها.
( -- دنيا طالب العلم مكتبته، ومكتبتي في الشام - لم تفتح من إحدى عشرة سنة - ص 83 ) وثانيهما: أن يجمع نتاجه كله في مصنف واحد قد يصل إلى خمسين جزءاً ( لو قدر الله - أن يأتي أخ - لا أعرفه فيحقق الأمل - فيجمع كل ما كتبت لجاء معه أكثر من خمسين مجلداً، فلقد عشت عمري كله أقرأ وأكتب، فاحسبوا كم قرأت - وكم كتبت - ص 71 )،ثم تتجلى هذه الملكة عند مالكها الطنطاوي في أسلوب جميل سهل ممتنع قريب بعيد لم يقلد فيه قديماً ولا حديثاً، ويتساءل من أين جاء به؟ فليس لديه إلا نصف العلم وهو لا أدري. وأخيراً: ففي الطنطاوي أدب وتاريخ وفقه وطرفة وموعظة وقصة ومتعة، وكما يقول أهل البلاغة والأدب: (الأسلوب هو الرجل)، وأسلوب الطنطاوي - قدس الله ضريحه - فيه إلهام وعبقرية وعصامية وعليه
فنفس عصام سودت عصاما
وعلمته الكر والفر والإقداما
حتى صيرته بطلاً هماماً هٌماماً.
** **
- (بنت الأعشى)