سارا القرني
الأيتام هم فئة من فئات المجتمع المهمة، التي حث الإسلام على رعايتها وقضاء شؤونها والسعي في حاجتها لتعيش حياة كريمة لا عوز فيها لأحد، وقد نهى الإسلام عن الإساءة لأي يتيم.. حيث قال الله سبحانه وتعالى {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ}، ونهى في موضعٍ ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن» وورد ذكر اليتيم في القرآن 23 مرة.. إحداها كانت للنبي صلى الله عليه وسلم حين خاطبه الله في كتابه {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى} ثمّ قابلها بالنهي عن قهر اليتيم.
القرآن الكريم يخبرنا أنّ مسألة رعاية اليتيم ليست حديثة وفي الإسلام فقط.. بل كانت قبل الإسلام بقرون كثيرة، ففي قصة الخضر عليه السلام مع سيدنا موسى صلى الله عليه وسلم.. جاء ذكر اليتامى وتفضيل مساعدتهما بشيء ينفعهم في المستقبل على لسان سيدنا الخضر «وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك» فرحمة الله اقتضت أن ينتفعا بمالهما في المستقبل بعد أن يبلغا أشدهما ويستطيعا تدبر شؤونهما بأنفسهما، وهذا من حسن التدبير واستشراف للمستقبل ونظرة إلى البعيد.
ونحن في شهر الخير.. رمضان الذي أُنزل فيه القرآن، الذي تكثر فيه الأعمال الطيبة والمسابقة إلى رضى الله سبحانه وتعالى، نجد الكثير من الطرق السهلة في كفالة اليتيم أو رعايته وإطعامه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث سهل بن سعد قال: قال رسول الله: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشار بالسبابة والوسطى وفرّج بينهما شيئاً».
مما دفعني للكتابة في هذا الشأن.. أن أحد الإخوة من ذوي الاحتياجات الخاصة في تويتر اسمه «عبدالله بن إبراهيم» أخبرني بمبادرة قام بها شخصياً كعضو فاعل في مجموعة دايموند السعودية التطوعية، حين قام بدعوة «جمعية أبوة لرعاية الأيتام» لتناول طعام الإفطار، كمبادرة جميلة ومشرفة تعكس تكاتف أبناء الوطن ولُحمتهم، وتمثل الإسلام القويم في ترابط الفرد مع مجتمعه المحيط به، ورغم أنه من أصحاب الهمم إلا أنه تلمس احتياجات الأيتام باعتبارهم فئة مهمة في المجتمع ولم ينسَهم رغم إعاقته بمحاولة إدخال الفرحة إلى قلوبهم، فتأملت قليلاً في مبادرته التي استحضرتُ بها قصصاً عبر التاريخ لرعاية الأيتام في مختلف أقطار العالم الإسلامي، ورأيت أن من حقنا عليهم أن نذكر المجتمع بهم ونحثهم على الالتفات بشتى الطرق لهذه الفئة الغالية على قلوبنا.
في الدولة الأموية خرج الخليفة الوليد بن عبد الملك بفكرة إنشاء مراكز رعاية الأيتام وذوي الاحتياجات الخاصة، فأنشأ داراً لترعاهم، ووظّف فيها الأطباء والخدم برواتب مجزية، وأعطى كل يتيم راتبًا شهرياً أو أعطية دورية، وقال لهم: «لا تسألوا الناس»، فأغناهم بذلك عن سؤال الناس.
وفي رحلة ابن جبير التي يصف فيها مدينة دمشق ذكر في رحلته: «أنّ للأيتام من الصبيان محضرة كبيرة بالبلد لها وقفٌ كبير يأخذ منه المعلم لهم، وهذا أيضًا من أغرب ما يحدّث به من مفاخر هذه البلاد».
وأوقف صلاح الدين الأيوبي أرضاً كاملةً لصالح غلام يتيم رأى فيه النبوغ والاجتهاد والتميز في صغره.
وفي المملكة حفظها الله نجد دار الأيتام في مكة المكرمة، دار الأيتام بالرياض، دار الحنان في جدة، مبرة الكريمات بالرياض التي أصبح اسمها المدرسة السادسة عشرة بحي المربع، والكثير من الأوقاف ودور الرعاية التي تعمل فيها المملكة تحقيقاً للعدالة الاجتماعية بين اليتيم وغيره، وحفاظاً على فئات المجتمع بكافة طوائفه وأنواعه.
يكفينا تذكر أن الله سبحانه وتعالى أخبرنا عن شأن اليتامى حين سُئل رسول الله عن ذلك فقال {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاء اللّهُ لأعْنَتَكُمْ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.