د.إبراهيم بن عبدالله المطرف
حرصًا من الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه على إقامة علاقات وثيقة مع مصر، شهد العام 1926 توقيع «معاهدة الصداقة» السعودية المصرية، توجت في العام 1955 باتفاقية دفاع مشترك، بعد أن وقفت المملكة بكامل ثقلها السياسي والاقتصادي والعسكري مع مصر، سواء كان ذلك في أروقة الأمم المتحدة أو في غيرها من المحافل الدولية، وتبع ذلك قيادة المملكة «معركة البترول» لخدمة حرب أكتوبر، لتثبت حقيقةً إستراتيجية مفادها، أن التنسيق السعودي - المصري، يمكن أن يحقق الكثير لمصالح العالمين العربي والإسلامي.
ويمكننا القول إنه، وبعد سنوات من علاقات أخوية وثيقة، بأن العلاقات السعودية المصرية هي علاقات عميقة وقوية، تاريخية وإستراتيجية، وأنها تزداد متانة ورسوخا وصلابة يومًا بعد يوم، علاقات لن تشوبها شائبة، مواقف ثنائية متطابقة حول المنطقة والإقليم والعالم.
تسير العلاقات بين البلدين بخطى إيجابية وبمقومات ناجحة، وباتت مثالًا يحتذى في العلاقات الثنائية، في كل المجالات وعلى جميع المستويات والأصعدة، علاقات تمثل عامل استقرار وتوازن في المنطقة منذ زمن بعيد وليست وليدة اليوم، علاقات لم ولن تتأثر البتة بأي فكر غير بناء، علاقات وقفت في وجه كل المحاولات التي تسعى للتحول والاستقطاب والاحتواء في المنطقة، علاقات تحصنها القيادات السياسية في البلدين بأدوار مدروسة ومتكاملة، وبوصلة تسير وفق مصالح وأهداف مشتركة ومتلازمة.
ولقد تعاظمت مكانة البلدين في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وفخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي، كما تعاظم تأثيرهما الإقليمي والدولي، وأرتفع شأنهما وموقعهما ونفوذهما، خصوصا في ضوء التطورات الكبيرة والخطوات الواسعة التي خطاها البلدان منذ تولّى الملك سلمان والرئيس السيسي الحكم، خطوات نتج عنها العديد من التغيّرات التاريخية والعميقة والحاسمة وغير المسبوقة في توجهات وسياسات البلدين، في الشؤون الداخلية والخارجية على حد سواء.
وقد جاء الملك سلمان للحكم على قَدَرٍ وفي لحظة اختارته فيها العناية الإلهيّة، ليجابه امتحانًا تاريخيًا لوطنه، الذي كان عليه أن يُقَدّمَ الإجابة، فقد كان السؤال يتعلّقُ بالتحدي في مواجهة المتغيّرات الإقليمية السريعة والمتلاحقة، بينما تضربُ الأمة العربية والإسلامية عواصفُ ضارية، وتترصّدُ لها ريحٌ عاتية، فإذا بالملك سلمان يكتب على جدار التاريخ صفحة مجد، سيُسطّرُها التاريخُ بقلم من نور، وحروف من الفَخار، في موقف قوة.
وكما جاء الملك سلمان في لحظة «فارقة»، جاء فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي في وضع مماثل، وشهدت مصر الشقيقة في عهده توجهات سياسية خارجية، أوصلت رسائل فخامته الواضحة حول سياسات الدولة المصرية تجاه العالم الخارجي، رسائل حدد فيها الرئيس الخطوط العريضة لسياسة خارجية مصرية شفافة الرؤى والمعالم، سياسة ساندت القيادة والحكومة المصرية على استعادة دور مصر النشط والقيادي في محيطها الإقليمي والدولي.
وقد نتج عن تلك السياسات وذلك الدور السياسي الرائد، المزيد من الإنجازات والمكتسبات للعديد من الملفات المصرية المهمة التي ساعدت على تعديل مسار مصر خلال السنوات الأولى من عهد الرئيس السيسي، وساندت على رسم علاقات مصرية ندية ومتوازنة بقوى العالم.
دبلوماسيا، وعلى مستوى العالم، «هندس» الملك سلمان والرئيس السيسي، محاور السياسات الخارجية والعلاقات الدوليه لبلديهما، حرصا منهما على تعزيز علاقات بلديهما الدولية، ومن خلال زيارات للشرق والغرب، هدفت إلى دعم توجهات بلديهما الثابتة في إقامة العلاقات الوثيقة والمتوازنة مع المجتمع الدولي، مصحوبة باهتمام بتوثيق علاقاتهما مع شركائهما التاريخيين، والاستراتيجيين، والتجاريين.
والحقيقة والحق يقال، فإن مواطني البلدين دون استثناء إلا ما ندر، يثمنون للقيادتين السياسيتين مواقفهما السياسية والاقتصادية والأخوية والودية تجاه بلديهما، ويقدرون مبادراتهما الاخوية الصادقة، التي يرون فيها أنموذجاً في الدعم الرسمي للقطاعات الأهلية في البلدين، في سعيهما لتعزيز وتطوير علاقاتهما على كل المستويات وجميع الأصعدة.
وخير مثال على ذلك اللقاء الأخوي ليلة الاثنين الثاني عشر من رمضان، بين فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الذي أكدوا خلاله على عمق العلاقات الثنائية، في ظل تعاظم التأثير السعودي المصري الإقليمي والدولي من جهة، وأرتفاع شأنهما وموقعهما ونفوذهما في المنطقة والإقليم والعالم من جهة ثانية.
وخدمة لتنمية العلاقات الأهلية السعودية المصرية، هناك أهمية بالغة للحوار البناء والحقيقي بين الصفوة في البلدين، وبين باقي مكونات المجتمع السعودي وشرائح المجتمع المصري المؤيدة للقضايا السعودية والمصرية، حيث إن من شأن مثل ذلك الحوار والتواصل، تعزيز وتمكين العلاقات وتوطيدها على المدى البعيد.
وفي هذا الإطار، نحتاج نحن المواطنين السعوديين والمصريين إلى أن نكرس جهودنا في دعم مسار العلاقات بين بلدينا، مساندة لسعي قياداتنا السياسية لدعم مسارات العلاقات، وذلك بمنحهم مزيداً من الثقة فيما يبذلونه من جهد، لتستمر العلاقات بين البلدين كما هي عليه وأفضل، ولتستمر الأخوة والصداقة عنواناً لعلاقاتنا، وذلك في ضوء أن أكثر ما نحتاج إليه اليوم نحن مواطنو البلدين، هو صوت العقل والحكمة والاعتدال، التي تتطلب منا أن نقف في وجه أي فرصة للعبث بعلاقاتنا، أو العصف بإخوتنا، أو الإساءة للمودّة بيننا، أو تدنيس ذلك الإرث الطويل من العلاقات التي عمل على توطيده الكثيرون من قبلنا.
فنحن، كنّا ولا نزال، ننظر الى بعضنا البعض بنظرة أُخوة واحترام، وقد ولد مشاعر الوّد بيننا ذلك الارتباط التاريخي الذي احتفظنا به، وحرصنا عليه، وعلى تحصينه بثوابتنا التي أرست قواعدها القيادات السياسية والنخب السعودية المصرية المتتالية، بشرائحها ومكوناتها المجتمعية المختلفة والمتعددة، وبأدوات دبلوماسية ناعمة وفاعلة.
فهل يشهد المجتع الأهلي السعودي المصري في المستقبل المنظور، احتفاء «بمئوية» توقيع «معاهدة الصداقة» التي وقعت عام 1926، التأسيس «لرابطة صداقة أهلية» تقف في وجه من يثير الفتن والانقسام، وفي وجه الانسياق وراء تلك المحاولات، تجسيدًا للعلاقات القوية والتاريخية والإستراتيجية.
ويؤكد الكاتب على أنه لتأسيس رابطة للأخوة والصداقة الأهلية السعودية المصرية الكثير من المبررات والإيجابيات، وأنه يأتي من بين أبرز تلك الإيجابيات، دعم الرؤية الثاقبة للقادة في البلدين في إقامة علاقات ثنائية متزنة ومتوازنة، وتدشين عهد جديد من الشراكة الإستراتيجية، وتعظيم الإفادة من ثقل البلدين دعمًا لمواقفهما وقضاياهما الوطنية، وتوسيع دوائر التواصل بين مكوناتهما المجتمعية، وقيام المجتمع الأهلي في البلدين بدور مساند للجهود الرسمية في الارتقاء بالعلاقات، والتفاعل الصادق لخلق مزيد من قنوات التواصل والحوار والانفتاح، وأخيرًا وليس آخرا، التعامل مع التوظيف «المغرض» الذي يسيىء للعلاقات، ويضر بفرص التلاقي والتعاون بين البلدين والشعبين.