يتساءل المرء أحياناً عن ما يتردد على ألسنة كثير منَّا تارة عن كذبة أبريل وماذا تعني؟ وماذا يقصد منها؟ قد أكون مخطئاً تارة وقد يحالفني الصواب تارة وما يطفو على السّطح من أخذ وعطاء من ناطق بالحقيقة ومتعامٍ عنها ومن متهامس عن بُعد، ولكننا لم نفهم ولم نتهيأ لمعرفة ظاهرة كذبة أبريل، فقد أصبحنا ندور في حلقة مفرغة دون فهم، فهل هناك حكم يحسم هذا الحراك ويضبط هذا المسار؟ سؤال أطرحه أمام القارئ الكريم: هل كذبة أبريل حقيقة أم خيال أم عادة أم سخرية أم فكاهة أم مداعبة؟!
حيث إنني سأحاول أن أتحدث عن هذه الظاهرة حسب معرفتي المتواضعة، حيث إن النَّاس قد ظلموا شهر أبريل بهذه المقولة اعتباراً أن الكذب يقال في أيَّام هذا الشهر على وجه الخصوص فقط، وما عدا ذلك من أشهر العام كلها أقوال صادقة بعيدة كل البعد عن آفة الكذب، فهذا الأمر غير صحيح علماً بأن الأيَّام والشّهور والسِّنين وظاهرة الكذب متداولة بين النَّاس بشتى الطرق الملتوية، لا حياء من الناس ولا خوف من رب العباد، فإن التمسك بهذه الطريقة طريق إلى التخلف.. والإسفاف بعقول الآخرين، وليدرك هؤلاء الذين يتصفون بهذه الصفة أنهم خاسرون لا ساخرون، فالواجب على أولئك القوم أن يخدموا الضياء لا الرياء ولا أبجديات النفاق، ومن شر البلية ما يُضحك أن يعتمد هؤلاء عادة على أن الكذب مخصص بهذا الشهر مع طمس معالم بصيرة الآخرين كي لا يرون الحقائق بأم أعينهم واضحة جلية، ومن خلال هذه الظاهرة -إذا جاز القول- سوف أستند على كذبة إبليس على آدم وحواء إذ يقول الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم: {قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا}، لا هو ملك لا يبلى وإنما هي شجرة الكذب، وإنما هو الملك الفاني، كل شيء في عصرنا الحالي لا يخلو من ظاهرة الكذب، ومما يثير السخرية أن تتركز آفة الكذب والنصب والاحتيال بهذا الشهر فقط حسب رغبات هؤلاء الذين يتنافسون بهذه الصفة، ومن العجب العجاب أن ترى الناس يتداولون هذه الظاهرة بين تارة وتارة خلال هذا الشهر، وحتى اللصوص قد أسرفوا في هذه الظاهرة فإنك تعجب لحالهم فإنهم لا يستطيعون الانفلات من هذه الطريقة حتى يخيل إليهم أنهم وُلدوا على هذه الطريقة. حيث إن الدنيا نفسها خداعة كذابة، ولا ننسى في هذا المقام أصحاب النفوذ الذين يسيطرون على أموال الغير دون حق ويدعون إلى إقامة العدل والمساواة تحت ستار رفع الظلم ونصرة الحق وتلوين الحق بلون الباطل والباطل بلون الحق.
إذا كانت الدنيا تكذب وكل طائفة أو جماعة تكذب وكل إنسان يكذب والأمة كلها تتحلى بهذه الصفة فأين الصدق؟!!
من هؤلاء - أن هذه الأمة أسست على أبجديات الكذب وبنى ما فيها على الكذب فتجد إنساناً يظلم النَّاس ويظن أنه عادل ويأتي بطرق الشر ويظن أنه يفعل الخير - لا تجد إنساناً شريراً يعتقد أنه شرير، أو مجرمًا يرى أنه مجرم.
فهو يحاول يشتى الطرق يسمِّي الأشياء بغير أسمائها فتُسمَّى الرشوة هدية، ويسمَّى التحايل مهارة، ويسمَّى ظلم النَّاس قدرة على النفع، حتى الأدباء سموا كذب الشعراء خيالا ًوالمغالاة في التشبيه مبالغة، وهكذا مما لا يحصى ولا يُعَد.
فتجد الذين يملكون النفوذ يكذبون على من يتصل بهم من أصحاب الحاجات فكل مصلحة كأنها مصنع كذب.
وأصحاب المتاجر والمصانع وأصحاب العقارات والمركبات كل أقوالهم كذب بكذب، فتجد كل طائفة من الطوائف وكل طبقة من طبقات الأمة لها كذبها في حرفتها ومهنتها، فمثلاً. لو تصورنا عالماً صادقاً كل الصدق لكان عالماً مخالفاً لعالمنا كل المخالفة لا تمت إلى عالمنا هذا بسبب، فليست المسألة مسألة كذبة أبريل بل الأمة جمعاء كلها أبريل.