لاشك أن (الصوم) من العبادات العظيمة الهادفة لبلوغ الفرد عالم الروحانيات، فهو وقاية يحفظ الإنسان (نقياً) طاهراً من الذنوب والخطايا.. في موسم عظيم من مواسم الخير وهو شهر رمضان الكريم الذي أنزل فيه القرآن الكريم.
في الصوم يذكر الفرد أنه إنسان يحتاج إلى طعام وشراب، فحين يمتنع عن حاجاته البشرية من طعام أو شراب وما إلى ذلك فإنه يشعر برغبة تثير انتباهه إلى تلك الحاجات: فكأن الصيام تذكير للإنسان بضعفه وحاجته، فلا يستعلي ولا يستبد ولا يتجاوز حدود بشريته في أي تصرف من تصرفاته السلوكية في حياته الاجتماعية.
ما أعظم شهر رمضان المبارك.. شهر الصيام والقيام، أنشأه الحكيم العظيم، وأدخل فيه عباده المؤمنين ليصوموا نهاره، ويقوموا ليله، ويعمروا موسمه بالعمل المستمر الصالح.. ليتخرجوا فيه رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ويكونوا أشبه بملائكة يمشون على الأرض مطمئنين. تمثل العبادات والواجبات الدينية في شهر الخير والغفران.. ساحة واسعة وخارطة مهمة لعمل التربية وتنمية اتجاهاتها الإيجابية، بما يساهم في بناء شخصية متوازنة.. تؤدي نشاطها في الحياة في اعتدال نفسي واجتماعي وعاطفي وانفعالي في آن واحد. ولذلك يعتبر (الصيام) مرّبي الإرادة، وكابحاً لجماح الأهواء، فهو يربي في النفس البشرية الصبر وقوة الإرادة، ذلك أن الصوم مدرسة عظيمة تربي الإنسان بكل مكوناته ومقوماته النفسية والروحية والعاطفية والخلقية والاجتماعية التربية المتوازنة، ولو تتبعنا أسرار الصيام وآثاره لوجدناها كثيرة، ولا يمكن عبر هذه الأسطر القليلة تناولها بإسهاب.. ومنها الأثر الروحاني والأثر النفسي والأثر الصحي والأثر الاجتماعي والأثر التربوي والأثر الأخلاقي.. ولذلك سنتناول الأثرين النفسي، والاجتماعي للصيام في شهر رمضان المبارك، ومعروف أن الصيام مدرسة إيمانية عظيمة تزكي النفس وتمدها بطاقة نفسية كبيرة.. إذ تقوي صلة وعلاقة الصائم بربه سبحانه وتعالى وتصفي روحه من رواسب الشر ومثالبه، وبالتالي تجعله طائعاً محباً للخير ومبتعداً عن الشر كما يقوم الصيام على تدريب النفس وتربيتها وتهذيبها وتقويم السلوك الإنساني ومعالجة الانحرافات، وقد أمر الله جل شأنه بتزكية النفس في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}، كما يقوم الصيام في شهر القرآن والغفران في حفظ التوازن النفسي والعاطفي والانفعالي والعصبي والوجداني للفرد، فيدفعه بالتالي إلى ضبط النفس والحلم والعفو والصفح والتنازل ليس على سبيل الجبن والخوف والضعف، ولكن من فضائل رمضان وثمرات الصوم أن يربي الفرد نفسه على هذه القيم والأخلاق والفضيلة، أما عن الأثر الاجتماعي لعبادة الصوم في رمضان تحديداً، فهو يتمثل في تعميق صلة الرحم وزيارة الأقارب والعطف على الفقراء والمساكين، والمسارعة إلى الإحسان والتسابق إلى الخيرات وإيجاد عاطفة الرحمة وتنمية روابط الألفة وتحقيق التكافل الاجتماعي.
وأيضاً من الأثر الاجتماعي انخفاض معدلات الجريمة وتقلص الجرائم الاجتماعية من سرقات وحالات الاعتداء على العرض في المجتمع وغيرها من الجرائم.
ومن الآثار الاجتماعية للصيام، حصول المساواة فيه بين الأغنياء والفقراء والأقوياء والضعفاء حيث يفطرون في وقت واحد ويمسكون في وقت واحد في البلد الواحد، ومشاعر الجميع في هذين الوقتين واحدة، وهو -لا مناص- أمر إيماني يربي الأمة الإسلامية على الوحدة والتساوي في المشاعر والأحاسيس، وعلى تقدير أهمية الوقت وأثره في الحياة الاجتماعية، لكن مع الأسف الشديد لا يخلو يوم من مشاهد الخصام والنزاعات بين بعض الصائمين في مجتمعنا بسبب خلافات بسيطة، فبعضهم فهمه للصيام مغلوط، فسلوكه المروري وتعامله الأخلاقي، وانفعالاته داخل بنائه الأسري يتنافى مع قواعد الضبط الديني والأخلاقي والاجتماعي، مع أنه ينبغي للصائم الاتصاف بالحلم والتسامح والصبر وضبط النفس والتحكم في الذات.. فحقيقة (الصيام) هي تربية سامية.. تربّي الفرد تربية شمولية (نفسياً، وجسدياً، واجتماعياً، وخلقياً، وسلوكياً).
وقفة اجتماعية:
الصيام أجواء إيمانية يعيشها (الصائمون) من شأنها أن توثق العلاقات بين قلوبهم وتشيع فيهم روح المحبة والإخاء، وترسيخ مبدأ التعاون،وتحقيق التكافل الاجتماعي.