أحمد المغلوث
هناك من يسكن في أعماق ذاكرتنا.. بل ويحتل مساحة طيبة فيها.. ومواقف عديدة في حياتنا لا تُنسى أبداً.. مثلاً مشاهد الختان التي كانت تجرى على يد الحلاق أو (المحسن) في مدينتنا الصغيرة في ذلك الوقت وما زال صاحبنا يذكر هذا المحسن وكيف قام بمهارة وخفة بختانه على صدى صراخه وصياحه وحتى شتمه لكل من حوله من رجال خاله الأشداء الذين أمسكوه من قدميه ووسطه بصورة لم تدع له فرصة الحركة أو الإفلات حتى من قبضة أياديهم الخشنة من فرط العمل.. بل إن أظافر أحدهم الطويلة تركت آثاراً مؤلمة في ظهره.. ومع هذا انتهت المهمة بسلام وسط التبريكات والأدعية ودموع لم تتوقف إلا بعد ساعات.. لكن سيل اللعنات التي أطلقها على (المحسن) طوال ذلك اليوم ضج بها بيت خاله.. نعم إنه يذكر جيداً كل تلك التفاصيل عن يوم (الختان) وكيف حرصت والدته -رحمها الله- على استحمامه في ضحى ذلك اليوم قبل العملية ببضع ساعات.. ومع أنه كان صغيراً في ذلك الوقت فهو لم يتجاوز السابعة من عمره فقد شعر أنه دخل مرحلة جديدة من حياته.. هكذا كان يسمع من أحد أبناء عمومته بأنه سيصبح بعد (الختان) رجلاً وسوف يلج عالم الرجال من بابه الواسع..!! كانت معلوماته الطفولية الساذجة عن عالم الرجال لا تتعدى ما يسمعه في مجلس خاله من أحاديث مختلفة.. بعضها لا يفهمه وعقله الصغير لا يستوعب معانيها وكلماتها غير المفهومة لديه.. لكنه يذكر جيداً حديث الشيخ عبد الرحمن المبارك أبي إبراهيم -رحمه الله- في مسجد طاهر بجوار منزلهم بالسياسب وخلال أحاديث رمضان التي كانت تستقطب نسبة كبيرة من الرجال ومن سيدات الحي الشهير لما يمتاز به فضيلته من حسن الإلقاء وعمق الأداء وسعة ثقافته الدينية التي تجسدت من خلال الحضور الكبير لهذه الأحاديث التي كانت تقام في المسجد بعد عصر كل يوم من رمضان.. إنه يذكر جيداً عندما سأل أحدهم الشيخ الجليل عن الختان وأهميته وراح فضيلته يشير ببساطة إلى أهميته للإنسان المسلم إضافة إلى أن السنة النبوية رسختها كشرط وجوب لاكتمال العقيدة بالنسبة للذكور..!! وفي المساء سأل والده عن (الختان) فيجيب باسماً.. لا تستعجل.. ألم تسمع فضيلة الشيخ المبارك عصر اليوم.. نعم سمعته لكن هناك أشياء لم أفهمها وأريد معرفتها منك.. وبعد تردد راح والده يشرح له أنها عملية بسيطة ومطلوبة وشخصية الإنسان المسلم لا تكتمل إلا بها.. إضافة إلى التزامه بكل ما له علاقة بالإسلام.. وهي تجربة لا بد للطفأو للفتى أن يمر بها ولا بد له منها حتى لو تأخر في أجرائها لأسباب ما.. وهكذا، وبعد أيام، أجريت لصاحبنا عملية (الختان)، وصار وهو الطفل الصغير يشعر أنه دخل عالم الفتيان.. لا بل عالم الرجال.. فهل هذا يعني أن هذه العملية التي جعلته يتمدد على ظهره أكثر من يوم وهو متباعد الساقين وكيف كان يتألم ويتوجع عندما يريد أن يتبول؟!! أترى (الختان) أو الطهارة هي المدخل لعالم الرجولة, تسأل كثيراً ولم يجد لها جواباً إلا بعد سنوات عندما بدأ يقرأ مجلة سندباد ومجلة طبيبك وعرف أهميتها الصحية ومرت الأيام والسنوات وها هو اليوم يذكر ذلك المشهد «الختان» الذي لم ينساه أبداً. وأحداث ذلك اليوم يكاد يراها.. بل إنه لم يتردد أن يرسم ذلك في أكثر من لوحة.. كم هي رائعة حياتنا وذكرياتنا وكل ما له علاقة في الأحساء» بيته الكبير.. ذكره ذلك عندما غرد مؤخرًا بإحدى لوحاته عن «الختان» وكيف اتصل به البعض طالبين أن يسرد لهم ما يذكره عنه. فكانت هذه الزاوية..