علي محمد إبراهيم الربدي
توفي الزاهد الورع الواعظ مخموم القلب عفّ اللسان الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن صالح بن سليمان المطوع.
والشيخ عبدالرحمن هو الابن الثاني للشيخ محمد المطوع المعروف بـ (الحميدي) العلامة الزاهد الحافظ لكتاب الله الذي ولد بمدينة بريدة عام 1315هـ تقريباً وعاش فيها حتى وفاته ودفن بمقبرة الموطأ الشمالية المطلة على شارع الملك فيصل ببريدة.
درس الشيخ الحميدي أبو عبدالرحمن العلوم الشرعية وحفظ القران الكريم منذ نعومة أظفاره على يد مطاوعة بريدة فى زمانه ومنهم الشيخ ابن فداء والشيخ محمد بن حسين والشيخ ابن مقبل والشيخ ناصر العجاجي.
جلس الشيخ محمد المطوع رحمه الله في ريعان شبابه يدرس ويعلم الناس القرآن الكريم والعلوم الشرعية وكوّن حلقات فى مسجد عودة الرديني المبني بالطين والمسقوف بخشب الأثل بعد كل صلاة يجلس يعلم الطلبة وبعض العلماء بعد صلاة الفجر في زمن لا يعرف الكثير من الناس الصفرة في الصباح أي (النوم بعد صلاة الصبح) وله حلقة بعد صلاة الظهر وأخرى بعد صلاة العصر حتى قبيل غروب الشمس يعلم الناس العلوم الشرعية ويقضي الكثير من وقته بالمسجد أكثر من جلوسه ببيته الذي عرف فيما بعد باسمه حتى أصبح يطلق عليه مسجد الحميدي لكثرة ما جلس فيه، المسجد الذى جدد بناءه بالخرسانة المسلحة بدل الطين عام 1407هـ صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سعد بن عبدالعزيز أول نائب لإمارة منطقة القصيم.
كان الشيخ محمد (الحميدي) رحمه الله يؤم الناس من غير راتب أو مكافأة بالصلوات الخمس محتسباً الأجر من الله حتى صلاة القيام والتهجد وعرف عنه الإطالة بالصلاة حتى فى صلاة التراويح التي يصليها عشرين ركعة بين كل ركعتين تسليمة ويختم فى صلاة التراويح مرتين فى الشهر ويصلي صلاة التهجد عشر ركعات ويختم ليلة تسع وعشرين من رمضان ويقرأ بالركعة الواحدة أكثر من جزء.
والمطوع لقب تسمت به عوائل كثيرة قد لا يعرف بعضهم بعضاً ولا يرجعون إليهم بحسب أو نسب وينتشرون بمناطق المملكة ودول الخليج وينسبون إلى جدهم الأكبر الذي لقِّب بالمطوع والذي يحسن قراءة القرآن والعلوم الشرعية أومن يصلي بالناس والمطوع لقب يطلق على الرجل المتدين حتى لو لم يكن عالماً.
والمرحوم عبدالرحمن بن محمد المطوع الذي جمع بين التجارة وطلب العلم على والده ينتسب إلى إحدى الأسر التى تسمت بالمطوع وهي أسرة محافظة عريقة من أسر بريدة الكريمة ذات الحسب والنسب قدموا وسكنوا بريدة قبل أربعمائة عام ودخلوا فى نسب مع عوائلها وعمل رجالهم بطلب العلم والتجارة وهم من تجار عقيل المشهورين الذين ضربوا فى الأرض يبتغون من فضل الله يتاجرون بالمواشي والإبل والخيل مع العراق والشام ومصر واشتهر منهم المرحوم سليمان بن صالح المطوع (العقيلي) الذي سمي باسم جده سليمان وقد كلفه الملك عبدالعزيز ومن بعده ابنه الملك سعود بالإشراف على إسطبلات خيول الجيش السعودي وترويضها.
ومن رجالات الأسرة الذين خدموا دينهم وملكهم ووطنهم منهم المرحوم إبراهيم الصالح المطوع رجل الأعمال الذي بدأ حياته مع تجار عقيل ثم استقر بالرياض وفى أواخر السنوات من عمره سكن بريدة واتخذ له مزرعة بالقاع البارد حتى توفاه الله ودفن بمقبرة الموطأ الشمالية عليه رحمة الله.
ومن أفراد الأسرة الذين عملوا بكل إخلاص في خدمة الدين ثم الملك والوطن المرحوم اللواء علي السليمان المطوع الذى عمل بالحرس الملكي ملازماً للملك خالد والملك فهد رحم الله الجميع.
ومن الأبناء الذين عملوا بخدمة الدولة وتبوؤا مراكز قيادية أبناء الشيخ إبراهيم وهم المهندس عبدالعزيز الذي عمل مهندساً بوزارة الشؤون البلدية والقروية والمهندس صالح أبو ثامر وعبدالله أبو رايد الذي تقاعد وكيلاً لوزارة الحرس الوطني بعد أن خدم الدولة أكثر من خمسة وثلاثين عاماً.
والمرحوم الشيخ عبدالرحمن تعلم وحفظ القرآن الكريم والأحاديث على والده الحميدي وجمع بين العلم والتجارة ورغم تأهله علمياً إلا أنه كان زهداً بالوظائف الحكومية رغم أنها كانت متاحة بزمانه وتأهله للعمل في الدولة ولكنه فضل عليها العمل الحر وعمل بالتجارة فكان من تجار القهوة والهيل وله محل بالمجلس السوق القديم بمدينة بريدة يبيع فيه ويشتري وقت النهار في زمن تغلق فيه جميع المحلات عند سماع أو قبيل أذان المغرب فكل الناس يذهبون إلى صلاة المغرب قبيل أو مع سماع الأذان وبعد الصلاة يذهبون إلى منازلهم لتناول وجبة العشاء.
هذه حالة سكان منطقة القصيم حتى عام 1396 هـ تقريباً فالأكل بالمطاعم لم يكن مفضلاً إلا للمسافرين ويوجد ببريدة ثلاثة مطاعم فقط يملكها يمانيون يقدمون وجبات على شكل معرق عبارة عن بطاطس مطبوخة بالصلصة مع طمام وكذلك الوصلة وهي وجبة عبارة عن لحم مطبوخ بالبصل والكمون وظل سكان المنطقة على هذه الحال حتى عام 1396 مع بداية حكم الملك خالد رحمه الله والتي تغيرت فيها الأحوال بكل مناحي الحياة.
عزاؤنا لابنه إبراهيم ولإخوانه ولأسرة المطوع كافة في بريدة وبقية مدن المملكة العربية السعودية ولكل أحبابه وأصدقائه.
ونسأل الله أن يتغمد الفقيد الشيخ عبدالرحمن بن محمد بن صالح المطوع بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان وأن يظله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وأن يجعل قبره روضة من رياض الجنة ولا نقول إلا ما يرضي ربنا: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
وفي الختام صلاة ربي على النبي المرسل رحمة للعباد محمد بن عبدالله عليه أفضل الصلاة والسلام.