د.عبدالإله ساعاتي
قال تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي}.
بعد مسيرة حافلة بالعطاء مشرقة بالإنجاز امتدت على مدى نحو خمسة عقود من عمر الزمن أفناها في خدمة وطنه وأمته بإخلاص وتفانٍ مشهود.. بدأها بعد أن عاد بدرجة الدكتوراه في طب الأمراض الباطنة من ألمانيا فعمل عضواً بهيئة التدريس بكلية الطب بجامعة الملك عبدالعزيز.. ثم انتخب عميداً للكلية لفترتين متتاليتين.. عين بعدها وكيلاً للجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي.. بعدها صدر أمر ملكي كريم بتعيينه مديراً للجامعة حيث شهدت الجامعة في عهده عودة الانضباط والالتزام بمعايير جودة التعليم العالي.. ليعين في عام 1995م وزيراً للصحة.. وحين تولى الوزارة كانت مثقلة بالديون إلى درجة إحجام بعض شركات الأدوية والمستلزمات والأجهزة الطبية عن تزويد الوزارة باحتياجاتها الأمر الذي تسبب في نقص في الأدوية وتعطل الأجهزة وضعف الصيانة في المستشفيات.
ولقد تمكن من معالجة هذه الأزمة بحكمة ومثابرة وفعالية وشفافية فنال على إثر ذلك دعم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده آنذاك الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمهما الله.. وتمكن أيضاً من صرف مستحقات متأخرة لسنوات لموظفي الوزارة... فعالج هذه الإشكالية بنجاح في فترة زمنية قياسية.. كما اهتم بترشيد الإنفاق وقام بتشكيل لجان مراقبة المخزون وتحرير الوزارة من ديونها وصرف مستحقات الموظفين المتأخرة.. كما طبق أسلوب التشغيل الذاتي للمستشفيات بدلاً من التشغيل الطبي عن طريق الشركات.
وفي عهده أنشأت الوزارة (84) مستشفى في مختلف أنحاء المملكة وهو عدد كبير وغير مسبوق في تاريخ الوزارة.. كما نفذ مشروعاًص ضخماً لتطوير مستشفى الرياض المركزي.. وفي عهده صدرت أنظمة صحية هامة واستراتيجية لعل منها نظام الضمان الصحي التعاوني.. و(النظام الصحي) و(الإستراتيجية الصحية).. وقام بتطوير الخدمات الصحية في الحج بشكل ملموس وواسع..
وفي عهده وضعت أدلة إجراءات وبروتوكولات طبية وتوصيفات وظيفية وصدرت أنظمة صحية جديدة.. وعزز رحمه الله دور الهيئة السعودية للتخصصات الصحية وتوسع دورها ووظائفها وتأثيرها الأمر الذي ساهم في تطوير الأداء الصحي بشكل عام وملموس.
ولقد تم التجديد له وزيراً للصحة لفترة ثانية.. ثم عين في عام 2003 مستشاراً لخادم الحرمين الشريفين.. وفي عام 2015م عين سفيراً للمملكة العربية السعودية في ألمانيا.. وكان خير سفير وخير ممثل لبلاده وحيث إنه درس في ألمانيا وعاش فيها سنوات من عمره عرف أنظمتها وأتقن لغتها فلقد نجح في مهامه وخدم بلاده وساعد مواطنيه طلاباً ومرضى وزائرين.
كان معالي الأستاذ الدكتور أسامة شبكشي تقياً لديه مخافة الله في عمله وفي حياته.. ولذلك فعندما تعرض لصدمة كبرى بوفاة ابنه الوحيد ( عبدالمجيد) الذي كان طالباً متفوقاً في كلية الطب إثر حادث مروري أليم.. كان ارتباطه الوثيق بربه وإيمانه القوي خير معين له على تجاوز أثر الصدمة الأليمة.. وإن ظلت علامات الحزن بادية على قسمات وجهه.
لقد عملت قريباً من معالي الدكتور أسامة شبكشي – رحمه الله – في وزارة الصحة وشهدت إخلاصه وتفانيه في عمله.. فلقد كان يعمل ليلاً نهاراً بحرص كبير وإخلاص شديد.. ورأيت حكمته وبعد نظره في قيادة اجتماعات مجلس وزراء الصحة لدول الخليج العربية ومجلس وزراء الصحة العرب..وفي قيادة الوزارة.
كان -رحمه الله- مدرسة في القيادة وفي الوطنية وفي الإدارة تتلمذ فيها الكثيرون في الجامعة وفي الوزارة وفي السفارة.. وأنا واحد منهم.
وكان الدكتور أسامة (رجل دولة) بحق وحقيقة في تحويل تطلعات وتوجيهات ولاة الأمر إلى واقع ملموس.. وفي ارتقائه إلى مستوى الثقة التي حظي بها من قبل ولاة الأمر – حفظهم الله – وفي تمثيله لبلاده في المحافل الإقليمية والدولية بنجاح واقتدار مقدماً مصلحة الوطن على أي شيء آخر..وفي عمق الإحساس بالمسؤولية الوطنية.. وكان رحمه الله قريباً من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله عندما كان أميراً لمنطقة الرياض يستقي منه التوجيهات.
ومن صفاته رحمه الله أنه كان صادقا صريحاً دون مواربة.. ولكن صراحته أمام الأشخاص وليست خلفهم.. مع قلب نقي يحمل الحب والطيبة للجميع فلقد كان نظيف القلب.. نظيف اليد.. وكان متواضعاً.. يقف في أي مكان يكون فيه ليستمع إلى مراجع بكل اهتمام ويتجاوز في ذلك أي بروتوكولات رسمية.. وكان (صاحب واجب) لا يتأخر عن أي داعٍ أو واجب إنساني.. يواسي في الأتراح ويشارك في الأفراح.. وله أعمال خير وبر وإحسان.
وظل الدكتور أسامة -غفر الله له- حتى وهو وزير ورغم مشاغله الكبيرة.. ظل يعالج المرضى في عيادة أسبوعية بمستشفى الشميسي المركزي.
وصدق معالي الأستاذ بدر العساكر حين قال عن الفقيد في تغريدة له: «كان أحد أبرز القيادات طوال فترة تسلمه الوزارة وخير سفير لخادم الحرمين الشريفين لدى ألمانيا.. رجل مشهود له بفطنة العلم وبالخير وكرم الخلق».
ولقد كان بروفيسوراً عالماً وطبيباً بارعاً ووزيراً ناجحاً ودبلوماسياً متألقاً... وفي الأثناء فإن من الجميل مبادرة سمو وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان.. ومعالي وزير الصحة الدكتور فهد الجلاجل نعي فقيد الوطن.
ويكفي الدكتور أسامة شبكشي أنه توفى في يوم فضيل وشهر فضيل.. يوم الجمعة وشهر رمضان.. شهر الغفران.
ولا يسعني في الختام إلا أن أبتهل إلى المولى عز وجل أن يدخل الفقيد في شآبيب رحمته وغفرانه.. وأن يثيبه جزاء ما قدم لوطنه وأمته.. وأن يلهم حرمه الدكتورة هيفاء اليافي وابنته مايا والزميل حسين شبكشي وكافة ذويه ومحبيه الصبر والسلوان.. و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.