يعتبر الحديث عن التربية، وأثرها، ومناهجها، ومقاصدها، وأهدافها، وغاياتها، وما يطرأ عليها من تجديد وتطوير كل يوم، فهو حديث المجالس والمنتديات الخاصة والعامة. من قبل الكُتَّاب والباحثين والأدباء والمفكرين والدعاة فالناس منقسمون بين محبذ، ومعارض، ومشكك ومتفق على التربية من أثر بعيد في تكوين الإنسان، حيث تفتح ذهنه وقلبه، وتعده إعداداً جيداً حتى يكون عنصراً فاعلاً ونافعاً لمجتمعه.
فالأمة في العالم العربيِّ والإسلامي معنيون بالتربيَّة الإسلامية عناية فائقة، وذلك بوضع الخطط الرامية إلى نشر التعليم ثمَّ تصحيحه، ورفع مستواه، وتوفير شتَّى الوسائل والطاقات. فالنَّاس في هذا الميدان الحيوي، مقلدون غالباً، ومقتبسون أحياناً، ومجددون في حالات نادرة. فهذا التطور لا يتنافى مع تراث الأمَّة العربيَّة والإسلاميَّة، فالحضارَّة الإسلاميَّة قد أنتجت فكراً تربوياً ومؤسسات تربوية جديدة، فالمكتبات غنية في هذا الميدان بالكتب والمؤلفات المتعدِّدة نذكر على سبيل المثال لا الحصر كتاب السِّياسة لابن سينا - وكتاب المنطق وإحصاء العلوم للفارابي وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب الدراري والذاري لابن العديم، ومؤلفات الإمام الغزالي إلى جانب المخطوطات الثمينة في مواضيع تربوية مختلفة - ومن خلال الاستعراض عن المبادئ العامَّة في التربية الحديثة ومقارنتها بالقليل من تراثنا التربوي الإسلامي، فلعل هذا الأمر يكون دافعاً لمزيد من البحث والتنقيب والتدقيق في هذا المجال.
فقد استمد المسلمون فلسفتهم التَّربويَّة من فلسفتهم في هذه الحياة، واستمدوا الأمر العظيم من كتاب الله الكريم والسنة النبوية الشريفة.
فقد استفادوا من هذين المصدرين الكريمين وذلك لتكوين فلسفة تربوية تعدُّ المرة للحياة الدنيوية وللحياة الأخروية معاً وفي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة من الشواهد والدلائل على هذا التوجيه آيات وأحاديث عديدة نكتفي بهذه الآية الكريمة من سورة القصص الآية (77) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ .
في الحديث الشريف - قول نبي الرحمة محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً). فقد ربط الإسلام بين العلم والتربيَّة من جهة، وبين العمل من جهة أخرى، وبين المنفعة الدنيوية والمنفعة الأخروية، وقد جعل العمل الخير نوعاً من العبادة، فإن طلب العلم عبادة، وكذلك التَّعامل الصَّادق مع الآخرين عبادة. ومن هذا المنطلق، أصبح طلب العلم في الإسلام فريضة وأصبحت العلوم تندرج على شكل مراتب و درجات متعددة ومختلفة باختلاف مالها من أثر في حياة الفرد المسلم في دنياه و آخرته.
وقد اعتبر ابن مسكوية أن التربيَّة «صناعة الأخلاق» لأنَّها تعنى باستصلاح النَّفس الإنسانيَّة التي تصدر عنها جميع الأعمال فإن المسلمين لم يفرقوا بين الأخلاق المثاليَّة والأخلاق التطبيقية، بل اعتبروهما أمراً متكاملاً، فكل خلق غير قابل للتطبيق لا يستحق أن يعتبر من الأخلاق.
أما في فلسفة التربيَّة الغربية فقد تحدث المحدثون من المربين والمختصين في مجال التربية على شكل فريقين - فريق يدعو إلى التربيَّة العمليَّة وفريق يدعو إلى التربيَّة المثاليَّة حيث يسمون أنفسهم بأصحاب التربيَّة الحرة.
حيث إن الاتجاه التربوي المعاصر في الغرب يميل إلى التربية العمليَّة التي لا مكان فيها لعلم الأخلاق، لا كعلم مجرد ولا كعلم تطبيقي - فقد ضاعت مفاهيم الفضيلة. والأخلاق بالمعنى الإسلامي الشامل في كافَّة المؤسسات العلميَّة الحديثة في الغرب, فالإسلام يدعو إلى هداية العالم أجمع فقد عمدت كثيرٌ من الأقطار إلى تحديد الأهداف السَّامية والطرائق المرسومة للتربية الإسلاميَّة، ويؤمن المسلمون بقدرة المرء على التحسن عن طريق التربية.
والإسلام أول دين يدعو إلى فكرة «التربية المستمرة» لأنه يحث المسلمين على طلب العلم من المهد إلى اللحد» والتعليم فريضة على البشر كافَّة، رجالاً ونساءً وأطفالاً، ومن واجب المرء المتعلم أن يعلم غيره مجاناً. فهذه بعض الأمثلة سابقة الذكر من التربيَّة الإسلاميَّة ومبادئها ونظمها وأهدافها فهي مدعاة للجميع للتفكر الجدي وللتمعن في تراث الأمَّة التربوي الإسلامي، فلابد أن يكون للفكر الإسلاميِّ في هذا المجال إسهام يفيد العالم لبناء مستقبل إنساني أفضل. والله الموفق.