رضا إبراهيم
طالما أوضحت صفات العلم الزائف عدم انفتاحه أو تقبله تقييم الخبراء، وعدم وجود الممارسات المنهجية لتطوير نظرياته المزعومة والتمسك بها، حتى بعد مرور زمن طويل على فقدها المصداقية سواءً بالتجربة أو بالأدلة، ومفهوم العلم الزائف مفهوم (ازدرائي) لإشارته إلى إبراز فكرة ما باعتبارها «علماً» بصورة خاطئة أو مزيفة.
بينما الفرضية العلمية لا تُعد كذلك، إلا إذا كانت قابلة للتكذيب، أي ما لم يكن تصور إمكانية الحصول على دليل ما يدحضها، وفي ذات الوقت يجب أن تقود الفرضية العلمية إلى تنبؤات قابلة للاختبار، وفي كثير من الحالات تفشل فرضيات العلم الزائف في الوفاء بذلك المعيار، نظراً لوجود أسئلة كثيرة أهمها عدم قيام سكان المناطق ذات الكثافة السكانية الكبيرة التي حدثت بها حوادث الاختطاف من قبل الفضائيين، بالإدلاء بشهادتهم حول تلك الحوادث.
بينما يضفي المؤيدون لظاهرة الكائنات الفضائية، تعقيدات أزيد على فرضية وجود كائنات من كواكب أخرى، عبر ترديدهم أقوالاً مزعومة، وإن الكائنات الفضائية تسببت بمحو ذكريات الشهود حول ذلك الأمر، علماً بأن تلك المزاعم غير قابلة للتكذيب أو التفنيد، ولا يمكن أن تقود إلى تنبؤات قابلة للاختبار.
وحول فرضيات الأجسام الطائرة المجهولة، فهي في الأساس فرضيات معقدة جداً، وأكثر مما تقتضيه المشاهدات، وفي ظل وجود بيانات موثوق بها، يضفي اللجوء إلى فكرة زوار الكواكب الأخرى أو الكائنات الأرضية الخفية على تلك الفرضية قدراً لا داعي له من التعقيد، ولأن كل الأفكار العلمية ليست بسيطة، فإن المعقد منها يكون مدعوماً بأدلة متكررة قد تجعل المرء يتجاوز التغيرات البسيطة.
هذا وتتطلب فرضيات الأجسام الطائرة المجهولة، التخلي عن عدد من الفرضيات العلمية المجربة دون وجود أدلة تدعو إلى ذلك، وعلى سبيل المثال إذا لم يكن سكان الكواكب بأعمار طويلة جداً، فإن ذلك يعني احتياج السفر من كوكب بعيد جداً أو العودة إليه مرة أخرى لتنفيذ عملية الاختطاف، أن تتم بسرعات (فوق ضوئية) ما يعني ضرورة قيام سفينة الفضاء المجهولة بالسفر بسرعات أكبر من الضوء (سرعة الضوء 300 ألف كم/ ثانية)، إلا أن السفر بسرعات تتجاوز سرعة الضوء تتعارض بل وتنتهك كلياً قوانين الفيزياء المعروفة، وهو الثابت صحتها مع نظرية النسبية للعالم ألبرت أينشتاين (1879 – 1955م) التي طورها بالقرن العشرين.
وهناك جانب آخر يخص ذات الأمر، وهو أن السفر في الفضاء بالسرعات السابق ذكرها يلزمه كمية مهولة من الطاقة، إذ إن نظرية النسبية لصاحبها أينشتاين، تؤكد على أن الجسم المتحرك بسرعة تقارب سرعة الضوء قد يصبح ذا كتلة هائلة، وذلك بالطبع من وجهة نظر المراقب الثابت، ونتيجة لهذه الكتلة المتزايدة لسوف يحتاج الجسم لطاقة أكبر لزوم التحرك، وهذه الطاقة الأكبر ستحتاج إلى وقود أزيد، والذي بدوره سيزيد من كتلة الجسم وهكذا...
ولنأخذ مثالاً على ذلك القول، فإذا كان هناك مركبة فضاء تحمل على متنها (10) أفراد وتسافر إلى أقرب نجم بمجرتنا بسرعة تعادل (70) بالمائة من سرعة الضوء، سوف تكون في احتياج (ملايين) أضعاف الطاقة التي تستهلكها دولة صناعية كبرى كروسيا والولايات المتحدة لمدة عام بالتمام والكمال هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ضرورة أن تكون أنظمة الدفع الضرورية التي تقوم بالعمل على تسيير رحلة فضائية كالسابق ذكرها، أكثر كفاءة وتطوراً «مئات السنوات» من أحدث النظم الموجودة حالياً، والتي كثيراً ما تباهى بها منتجوها ومروجوها من العلماء والخبراء.
والمعلوم أن أول رؤية للأجسام الطائرة بالعصر الحديث كانت في الرابع والعشرين من يونيو عام 1947م تمام الساعة (3) مساءً، عندما كان طيار خاص يدعى كينيث أرنولد يقود طائرته طراز (كال أير أيه 2) أثناء رحلة عمل بمنطقة شيهاليس إلى ياكيما بواشنطن، وكان أرنولد يمر بسماء صافية بارتفاع (9200) قدم فقط بجبل رانييه، عندها رأى وميضاً ساطعاً وانعكاساً لأشعة الشمس، تبعتها سلسلة من الومضات الساطعة القادمة تشبه أضواء المرآة تقريباً من شمال الجبل، ثم دخولها وخروجها من الوديان وحول قمم الجبال بانسجام تام، وكانت الانعكاسات الآتية من الأجسام الطائرة سبباً لانعدام قدرة الطيار على التعرف عليها، حيث شبّه حركاتها بالأطباق التي تتخطى الماء، وسرعان ما ظهر مصطلح (الطبق الطائر)، وقدر أرنولد أن تلك الأجسام كانت أكبر من (100) قدم في الطول.
وقام بتوقيتها أثناء تحليقها من جبل راينر لجبل آدامز على مسافة (80) كم، واستغرقت رحلتها نحو دقيقتين واثنين وأربعين ثانية، ما يعني أنهم كانوا يطيرون بسرعة تزيد عن (1700) ميل في الساعة، وكان ذلك أسرع بنحو ثلاث مرات من سرعة أي طائرة مأهولة وقتها، وعندما هبط أرنولد في «ياكيما» بواشنطن أخبر صديقه آل باكستر قائد المطار بما رآه، وبذلك انتشرت القصة، وفي نفس الوقت الذي رأى فيه أرنولد المركبة الفضائية، رأى المنقب فريد جونسون الذي كان على جبل آدامز نفس المركبة، وبمنطقة ريتشلاند المجاورة لواشنطن رأى رجل آخر يدعى إل جي بيرنييه ثلاثة أطباق تحلق فوق المدينة.
وبعد نحو شهر التقى أرنولد وآل باكستر بأحد ضباط المخابرات الجوية الأمريكية وقدموا تقارير رؤية حول ما شاهدوه، ما دعا قائد قيادة العتاد الجوي الجنرال الأمريكي ناثان فراجوت توينينج (1897 – 1947م) إلى إجراء تحقيق رسمي في مشاهدات الأجسام الطائرة المجهولة من قبل عدة وكالات حكومية، وسرعان ما بدأت حملة مضادة من قبل اثنين من أفراد الجيش الأمريكي على وجه الخصوص وهما الميجور آرون بوجز «البنتاجون» والعقيد هارولد واتسون (قيادة الشؤون الجوية) من أهم دعاة التشكيك في الأمر، وكانت حملتهما في جو من الاحترام المتشكك حول تقارير مشاهدة الأجسام الجوية المجهولة.
وبدافع من السخط، تم إنشاء حملة علاقات عامة لفضح زيف الأجسام الطائرة المجهولة، حيث ظهر مقالٌ للكاتب سيدني شاليت على صفحات جريدة (سترداى افينينج بوست) ونشر على عددين (30 إبريل - 7 مايو 1947م) أشار فيه شاليت إلى أن المزيفين أصحاب تلك الخدع كانوا مسؤولين عن رؤية الأجسام الطائرة المجهولة، واقترح المقال أن القوات الجوية الأمريكية اعتقدت أن الأجسام الطائرة المجهولة «هراء» ويمكن أن تكون أبعد عن الحقيقة، إلى جانب ذلك اعتقد الجنرال ناثان توينينج بأنه من المفترض أن القوات الجوية قد خلقت ما أسمته «تقدير الموقف» على ظاهرة الأجسام الطائرة المجهولة، ورغم عدم الحديث عن الأطباق حتى وقتها خارج نطاق الجيش فقد أطلق الجيش على هذا التقدير مسمى «الكأس المقدسة» لعلم الأوفولوجيا.
وفي عام 1953م خلصت نتائج لجنة شكلتها وكالة الاستخبارات الأمريكية (سي آى إيه) برئاسة عالم الفيزياء هوارد بيرسي روبرتسون (1903 – 1961م) إلى أن مشاهدات الأجسام الطائرة المجهولة، لا تشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي، لكن هناك قلقاً من تسببها في حدوث هستيريا جماعية، لكن الأمريكيين قلقون من أن الدول المعادية، قد تستخدم ظاهرة الأجسام الطائرة المجهولة لتعطيل الدفاعات الجوية الأمريكية، لذلك أقدمت المخابرات المركزية على وضع سياسة «التثقيف العام» للتأكيد على عدم وجود أدلة وراء الأجسام الطائرة المجهولة، وأن يتم ذلك عبر الوسائل الإعلامية والتعليمية، وأوصت بمراقبة مجموعات الأجسام الطائرة المجهولة الخاصة بحثًا عن أنشطة تخريبية.
وحول تعرض أشخاص للخطف من قبل المخلوقات الفضائية، ففي الوقت الذي يؤكد فيه البعض بتعرضهم للاختطاف فقط، يقدم آخرون شهادات مفصلة بطريقة أكثر إثارة ودهشة عن نفس الحدث ووقوعهم تحت تأثير التنويم المغناطيسي، وهي طريقة تعتمد استخدام التنويم المغناطيسي لتذكر أحداث تفاصيل سابقة تسمى «التنويم المغناطيسي الارتدادي»، وبما أن التنويم المغناطيسي ليس كـ (مصل الحقيقة) فذلك يعني أن الأشخاص لا يمكنهم التظاهر بالوقوع تحت التنويم المغناطيسي فقط، بل يمكنهم أيضاً الكذب أثناء وقوعهم تحت تأثيره.
ولأن الحث على استدعاء تفاصيل أحداث سابقة، يمكنه أن يزيد بالفعل من قدرة المرء على التذكر، فذلك يجعل الناس يسردون تفاصيل مقبولة مستقاة من «خيالاتهم اللاوعيية» أو مشاعرهم المكبوتة أو ذكرياتهم في أوقات أخرى، كما يمكن أن تضم تلك الذكريات الزائفة معارف مستقاة من مصادر أخرى يقوم المرء بدمجها في ذاكرته، وهناك حججٌ أخرى أهمها أن الشهود يمكنهم اجتياز جهاز كشف الكذب (Polygraph) ما يثبت أنهم لا يختلقون الأمر، لكن ورغم أن مثل تلك الاختبارات قد تستخدم أحياناً بالتحقيقات الجنائية والعديد من الشؤون الأخرى، إلا أن نتائجها تكون غير موثوق فيها، ولا يعتد بها بالمحاكم كاختبارات جازمة على الحقيقة.