د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
أعترف أني لم أستطع الفكاك من سلطة الكتابة عن التعليم والتربية وإن كانت فضاءاتي فَرغتْ من سطوتهما، وقد بحثتُ عن الصيد السمين في زمننا الجميل هذا حتى لا أحمّل الكلمة ما لا تُطيق، وأفرّغها من معانيها حين تُرصد وتُرصف، فرأيت أن أطلق على هذه المرحلة من تاريخ التعليم السعودي (التصنيف وترشيد الاستهلاك التعليمي) ومازلنا ننتظر حيازة المحتوى المتين والعمليات الفاعلة والنتائج المثمرة ..
واستجاب لي قلمي فقررت أن أدلو بدلوي: فالمساحات البيضاء الوحيدة في نظري في منظومة التعليم هي قاعات الدرس فالخطوة الأولى المحافظة عليها حتى لا تكون مسطحات دون تضاريس مجهولة المنتج والنتيجة.
* وقضية الجلوس خلف المقعد الدراسي لساعات والاستماع للأمام دون حراك قضية لا بد من صياغة شروطها وفك طلاسم الوقت المقدس المسمى بالحصص.
وقضية تصنيف الجودة وليس تطبيقها، وقد كثرت مصانع التربية فضعُف الإنتاج، وانتشرت الماركات المقلّدة، فكانت تربية زجاج البلّور هي الأعلى في تصنيف المجتمع وإن كانت نواتجها أبناء للزينة.
والمحتويات المعرفية بها ومنها نختصر كثيرٌ من الحكايات في مجال التعلُّم، وهي تمثل الدعم الذاتي للمتعلمين، وربما جاز لنا أن نقول: إن فقد الدعم الذاتي المتميز في المحتوى المعرفي عند الطلبة دفع الكثير منهم للتوجه للدعم الاجتماعي الذي اختلفت منابعه وبعضها دون رقابة، فلا بدّ من إطار محكم للمحتويات المعرفية يمنع التسلل خلالها والعبث فيها, وأن تكون في مضامينها أطواق نجاة, ومسارات تقدُّم، تجعل المتعلمين يؤمنون بالقيم والمبادئ يحيطها أسلوب من التعلّم الأكفأ والأقدر وفي مقابله تعليم أقل, مما يعني أن المحتويات يجب أن تركز على الأساسيات، وألا يُعزل المتعلمون عن واقعهم تحقيقاً لمشاركتهم في مفاصل التنمية، إضافة إلى أهمية توفير مصانع للذكاء التحليلي والذكاء العملي والذكاء الإبداعي وجعلها جميعاً حلقة أساس في بناء المحتويات المعرفية، فإن سَرَقتْ الأضواء فهناك أمل وعمل, وإن توارتْ نوفي الحجاب فالمعرفة لا تنمو في بيئات مزيفة، وتحتم الحاجة تصميم محتويات معرفية تحتكم للعقل وتنأى عن التعصب للتراث المجرد، وأن يقدم الموروث فيكون محفزاً للإبداع والتألق ومنجزاً واقعياً يعج بالفضائل الخارقة لتشكيل نطاقات من المناعة الحقيقة وليست المصنوعة، وزرع السلام الحقيقي في أعماق النفس لدى المتعلمين، فاجترار الحقائق من سابق إلى لاحق لا تُنبت كلأً ولا توقد قبساً إذا لم يكن هناك معامل لاكتشاف الحلقة الأضعف في سلسلة البناء ومن ثمّ إصلاحها.
ومن الإصلاح تكشيف قنوات التعليم الموجودة وتوديع مالا شغف حوله ولكي يصبح التعليم حصاداً نضراً من الأهمية أن تُزال تلك الأعشاب الغريبة التي تشارك المتعلمين أقواتهم, وأن تُربط خرائط التعليم وقنواته بما يتحقق للمتعلمين داخل قاعات الدرس فحسب، وما دون ذلك فهي أرائك ضعيفة لا تُقلُّ ولا تحمل؛ فالفجوات الرغوية في أي سلسلة تنظيمية تكون حتماً مدخلاً يُفضي لهشاشة البناء والمُخرج.
والقضية الأولى وإن جعلتها الأخيرة هي صناعة المعلم، أطرحها وفيها سياسات وأساسات، فالمعلمون يعادل أثرهم أضعاف الأدوات الأخرى المحيطة بعمليات التعلُّم، وأنهم أساتذة يجب أن تقام لهم مظلات التخصص والتخصيص، ولا بد لهم من رعاية ضافية، وأن تُصنع لهم أسباب التميز بعمق التكوين المعرفي ووجود الحوافز التي تحركهم نحو الاتجاهات المشرقة، وأن تكون مهنة التعليم تاجاً يتنازعون ارتداءه، وأنهم حتماً سيملكون القدرة على التحول إذا ما كانت لديهم الرغبة والاتجاه لإحداث البهجة والمتعة لدى المتعلمين، وفي مجال اختيار المعلمين لي دلو أخرى؛ بأن تُصنع الرغبات نحو المهنة في مصانع التعليم العام وذلك بتخصيص معاهد للإعداد والتهيئة أو ثانويات متخصصة يُختار لها الأميز من الطلبة، وتكون معايير القبول فيها عالية تتصدرها الرغبة، وتوجه لها الإمكانات الداعمة، وينقل المعرفة فيها من يمتلكون الكفايات العالية في مكونات التعليم وأدواته، وتكون هذه المدارس قليلة الأعداد كبيرة الإعداد والعُدة، ومن ثم تُتمم تلك الصناعة في الكليات التربوية في الجامعات التي تكون الحاضن والموجه والمقوّم لذلك المعلم القادم ليكون ناقلاً حصيفاً للمعرفة في أروقة المدارس. أما كوادر التعليم عامة والقيادات الصانعة للموقف والقرار فثمة اشتراط من صنع الله سبحانه وتعالى يكون مفتتحاً للاختيار {وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (البقرة: 282)، فالتقوى تنمي القيم والقيم تمنح القوة والأمانة، ويردف ذلك بناء منظومة إجراءات معلنة ومحررة تتضمن معايير التقييم وأُسس الترشيح والاختيار والترقية لتحقيق العدالة ودعم منطلقات الرضا الوظيفي.