د. إبراهيم بن جلال فضلون
أخذت المظاهرات المناهضة للإصلاحات التي عمت فرنسا وإسرائيل منحى عنيفاً، حيثُ يشهد البلدان مظاهرات متزايدة في السنوات الأخيرة، نتيجة للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يشهدها العالم.. لتتسم المظاهرات الفرنسية بالانتماء للحركات الاجتماعية والعُمالية، التي تُطالب بزيادة الرواتب وتحسين ظروف العمل وسط شلل تام لكثير من المرافق جراء الاحتجاجات الحالية التي تُطالب بإصلاح نظام التقاعد، وهو ما دفع بالعديد من الفرنسيين إلى النزول إلى الشوارع والتعبير عن غضبهم أدت للمواجهة الملتهبة للآن أمام تعنت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وحكومته التي تم انتخابها العام الماضي بأغلبية ناهزت 60%، ليس بسبب رؤيته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. بل أعيد انتخابه إجمالاً، لأن البديل عنه كانت مارين لوبين، اليمينية المتطرفة وصاحبة عقيدة العملاء المتعاونين مع النازيين التي تحظى بدعم روسيا. وهو ما أفصح عنه ماكرون في خطاب الفوز: «ليس دعماً لآرائي، بل من أجل وضع حد لآراء اليمين المتطرف».. وهنا وبالتأكيد لم يمنحه الناخبون الفرنسيون أي تفويض صريح لتغيير نظام التقاعد في فرنسا، ليُشعل فتيل الحرب الداخلية وإغراق البلاد في الفوضى، والتسبب في موجات إضرابات عامة وأعمال عنف في الشوارع شلت البلاد، بعد تصاعد التوتّر مع وصول الحوار بين حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون والنقابات إلى طريق مسدود.
أما بالنسبة لإسرائيل، فإن المظاهرات تتسم بالانتماء للحركات السياسية والدينية والاجتماعية، لتعم الاحتجاجات العارمة بإضرابات عامة ضد خطة الإصلاحات القضائية، إضافة إلى المطالبة بتحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، وإيجاد حلول للمشاكل التي يعاني منها المجتمع الإسرائيلي، لتقبع كحليفتها الفرنسية في شلل بمختلف القطاعات، أدت إلى تخبَّط الحكومة في نفق «التعديلات» إلى إشعار آخر، ورضوخ «نتنياهو» لما أشعله طوال الفترة الماضية، ليُطالب الصوت الإسرائيلي كذلك كما انتخبهُ باستقالة رئيس الوزراء الذي يقود خصومُه المظاهرات. وقد تجاوزت هذه المعارضة الشرسة للإصلاحات حدود السياسة، ليتعقد الأمر بأخطر ما وقع حتى الآن، هو انضمام عدد كبير من قوات الاحتياط -العمود الفقري للجيش الإسرائيلي- إلى المتظاهرين، ممن عارضوا الحضور للخدمة، مُطلقين بذلك صافرات إنذار بأن الأزمة باتت تهدد أمن إسرائيل. حتى وزير دفاع نتنياهو أعلنها صراحةً معارضته لعمل تغييرات في النظام القضائي بالبلاد - مما دفع نتنياهو إلى إقالته، وتعليق خطته الانقلابية ضد القضاء... ورغم ذلك المحتجون يطالبون بدستور يضمن ألا تقدم أي حكومة في المستقبل على تنفيذ انقلاب على الحكم ومؤسساته الديمقراطية. وإلا «سيستمرون في الاحتجاج».
إن الاحتجاجات تزيد الأوضاع العالمية صعوبة.. إضرابات واشتباكات في عدة دول، ولاسيما بعد الإضراب الكبير في ألمانيا واشتباكات فرنسا ومظاهرات إسرائيل وإسبانيا، على الرغم من اختلاف الأسباب التي تدفع بالمتظاهرين إلى النزول إلى الشوارع، إلا أنهم يسعون جميعاً إلى تحقيق تغييرات إيجابية في مجتمعاتهم وتحسين حياتهم اليومية، حيثُ تُسببُ المظاهرات تداعيات اقتصادية كبيرة، نتيجة تضرركافة القطاعات فيها. ففي فرنسا، كانت المظاهرات تركز على الإصلاحات الضريبية والاجتماعية، التي يقاومها العمال والمواطنون الذين يعانون من ارتفاع الأسعار والبطالة.. ليكون الفساد رأس حربة في كل المظاهرات كما في إسرائيل، استنادا إلى مبدأ تضارب المصالح بين الإصلاحات التي تقدمها حكومة الاحتلال والمحاكمة التي يخضع لها نتنياهو بالفعل، وكأن العدوى تطال الدول الحليفة أوروبياً للتظاهر ضد سياسات الحكومة الألمانية والإسبانية، والتشيكية والإيطالية، لارتفاع أسعار الطاقة، وتكاليف المعيشة، منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية،وبالمجمل يُؤثر ذلك على الأداء السياسي في البلاد، ففي فرنسا، أثرت المظاهرات سلبًا على سمعة الرئيس إيمانويل ماكرون وتسببت في تقليص شعبيته. وفي إسرائيل أجبرت المظاهرات الحكومة على إعادة النظر في سياستها وتوفير خدمات أفضل للمواطنين، فإذا هُم يقهرون الداخل ولا يعطون الحقوق الإنسانية، فكيف بهم يتعاملون مع العرب والفلسطينيين بوحشية عارمة؟!!. الأمر الذي يتسبب في حِرمانهم من حقوقهم الأساسية، مثل حرية التعبير وحقوق الإنسان بطريقها الشامل.