حنان بنت عبدالعزيز آل سيف
معارك أبطالها أدباء، وسلاحها القلم، وضحاياها بلا دماء، وهي معارك أنشأت أدباً ينبض بالحياة ويساير من حوله العالم، ولدت المعارك الأدبية بين المبدعين من الأدباء، فولد معها كل ما هو بديع ومتفرد ومتمايز، تولد هذه المعارك حراكاً ثقافياً ونشاطاً فكرياً لما فيها من تبادل وجهات النظر، وتحاور العقول، وتلاقح الأفكار، ففيها قرع الحجة بالحجة، وتغذية الأذهان، وتحريك المياه الراكدة، هذه المعارك الأدبية تأتي حامية الوطيس، ولها دور في تطوير دفة الحركة الأدبية متى جانبها جانب المهاترات الشخصية، وتمسكت بأدبيات الحوار، والاديب أو الناقد هو من يشغل فتيل السجالات النقدية، ومما يلهم قريحتها كونها تقع بين مجموعة نابغين ومثقفين – وأدباء، وساعة النزال تقام في مدرجات الأندية الأدبية، ورحى الصحف، وفلك المجلات، وكلما ارتقت لغة المعارك الأدبية بالترفع عن النصر أو الهزيمة ، وسارت في مسار مناقشة لقضية أدبية آتت ثمارها عذبة، وفوائدها غدقه، وقد امتلأت بطون الصحافة الورقية قديماً من معارك الأدباء، ولم يكن ذلك قصراً على قطر واحد، بل لكل قطر من العالم سجال أدبائه، ونزال أقطابه، ومن أهم المعارك الأدبية التي دارت بين أعطاف الأدب تلك المعركة الشعرية القديمة التي كانت بين النابغة وحسان بن ثابت رضى الله عنه، ومعركة النقائض ليست عنا ببعيده وهي التي دارت بين رموز الأدب الأموي جرير والفرزدق والأخطل، وقد أثرت الأدب وغذت اللغة، ومما له فضل وسابقة على الأدب تلك المناظرات العلمية والأدبية واللغوية التي دارت بين أدباء التاريخ، وشرفاء العالم، وكتب التراجم ملأى منها، ولعل أقرب مثل يذكر نفسه هو كتاب (معجم الأدباء) لياقوت الحموي.
وأما معارك القرن العشرين فقد دارت بين مدارس الأدب من إحيائية ورومانسية وواقعية وما سواها وسجالها جاء دائراً بين رموز كل مدرسة، كالعقاد ومصطفي صادق الرافعي، وأمير الشعراء أحمد شوقي، وعميد الأدب العربي طه حسين، وبنت الشاطئ عائشة بنت عبدالرحمن والمفكر العراقي د. مصطفي جواد، والشاعر عبدالرحمن شكري والاب أنستاس الكرملي صاحب مجلة العرب، وهذه السجالات ارتقت بمستوى الثقافه بقول الناقد عبدالقادر حميدة: (إننا نعيش لحظات فارقة تغيب فيها المعارك الثقافية الكبرى التي كانت تدور في أزمان سابقة بين طه حسين والعقاد ومحمد مندور وغنيمي هلال ولويس عوض – تلك المعارك التي حققت كل ما نسميه بآفاق التنوير، وفي ظل ذلك كله لم نعد نملك ونستطيع أن نطل من خلاله على العالم إلا ببعض الإبداع الجيد والثقافة الحرة).
ومعارك القرن العشرين جمة ومن أهمها تلك المعركة الأدبية التي أشعل فتيلها طه حسين في كتابة (في الأدب الجاهلي) وذلك حينما شكك في الشعر الجاهلي، والأديب العقاد ممن أشعل أوار المعارك الأدبية في العصر الحديث عندما فضل الشعر على الرواية في كتابة: (في بيتي)، فانبرى له نجيب محفوظ ورد عليه بمقاله عنوانها: (القصة عند العقاد)، كذلك حينما رفض شعر التفعيلة عند أحمد حجازي وصلاح عبدالصبور.
وأما أشهر هذه المعارك فهي معركة العقاد والرافعي وأسفرت أدباً وكتباً حفظتها أنامل التاريخ.
وعلّ كتاب على السفود للرافعي خير ما يستشهد به على صخب هدير تلك المعركة وقد كان الحديث بينهما حامي الوطيس، مما نقده البعض وتاق لآخرين، وكما كان للعشق قتلى، ففي المعارك الأدبية موتى، فقد انتهت هذه المعركة بما حكاه لنا تلميذ الرافعي سعيد العريان أن رد العقاد كان قاسياً لدرجة القتل حيث قال: (إيه يا خفافيش الأدب أغثيتم نفوسنا، أغثى الله نفوسكم، لا هوادة بعد اليوم السوط في أيدينا وظهوركم لم تخلق إلا لهذا السوط وسنفرغ لكم أيها الثقلان) فكان هذا الرد سبباً في مرض الرافعي ثم موته فجأة. كما أن رد الرافعي كان عنيفاً أيضاً حيث تمخض عن كتابة – على السفود- و(السفود) هو الحديدة التي يشوى بها اللحم، وفيه تصوير استعاري فنقد الرافعي هو السيخ وديوان العقاد هو اللحم الذي يشوى.
ولم تكن المعارك قاصرة على الأدب العربي، فقد قامت على ضفاف الأدب الغربي فقديماً بين أفلاطون وأرسطو، ثم بين روسو وفولتير ومعارك جول رونار وجروج صاند والحروب الكلامبة التي دارت بين سانت بوف وفكتور هوغو وكذلك بين شاتو بريان وبروست.
**__**__**__**__**
مراجع المادة: فوائد المعارك الأدبية – دسلوم النفيعي
- صحيفة هتون الدولية 11 مايو 2020م
- المعارك الأدبية في ذاكرة النسيان البيان 19يوليو 2006م
- الصالون الثقافي يعيد إثارة الجدل.
الشرق - طه عبدالرحمن 12 فبراير 2015م
- معركة معارك القرن العشرين الأدبية
الجزيرة - صلاح عبدالستار الشهاوي 25 / 3 / 1444هـ
** **
-بنت الأعشي-
hanan.alsaif@hotmail.com