سهام القحطاني
لماذا لم يلتقِ الغذامي بأدونيس عندما زار الرياض؟
سؤال تكشف إجابته عن «مقاطعة ثقافية» بين المثقفين الكبيرين حاصل «خلاف في الرؤية الثقافية»، خلاف تحوّل في ظاهره إلى مقاطعة ثقافية، وفي باطنه إلى «صراع الأضداد الثقافية».
يصف الغذامي خطاب أدونيس «هذا التجانس النسقي الذي قد يتبدى على بعضه الاختلاف والتطور،كما يتبدى لنا خطاب أدونيس، غير أن هذا ليس سوى غطاء ظاهري بينما يعشعش النسق الفحولي من تحت الخطاب».-كتاب النقد الثقافي، الغذامي-.
أما أدونيس فرؤيته للغذامي أوضحها في حواره مع مجلة «حوار العرب» فيقول «أنا أختلف مع الغذامي كلياً في نظرته وفي طريقة فهمه للشعر».
فهو يرى أن الغذامي من خلال المركزية النسقية التي اتخذها كوسيلة تفكيكية للخطاب الشعري «يقتل الشعر والشعرية محولاً النص الشعري إلى «وثيقة» اجتماعية، ولهذا يخلط بين الذاتية والفردية، مهملاً كل ماهو داخلي،أي كل لا قوام للشعر إلا به».
وأن الطريقة النقدية للغذامي وخاصة في الشعر، تبتعد عن المنهجية وهذا الابتعاد كان حاصله «فساد نقده» «إنه يتكلم على الشعر بأدوات وطرق غير شعرية، ومن خارج الشعر، وهذا وحده دليل ساطع على فساد هذا النقد».
ولاشك أن الهجوم على منهج الغذامي من قِبل أدونيس قد يبدو في ظاهره ردة فعل على رؤية الغذامي في «خطاب أدونيس الشعري والنقدي» هذا الخطاب الذي رسّخ له وسماً ثقافية ما يزال يطارد أدونيس «الحداثي الرجعي، والذي يقول عنه الغذامي «على مدى أكثر من عشرين سنة ومنذ صدور كتابي النقد الثقافي، وأدونيس لاينفك عن تسديد لكماته لي وللكتاب وللنقد الثقافي بعامة، وللحق فهو لا ينتقد ابتداءً وعقلنة ولكنه يمارس فحسب ردة فعله على وصفي له بأنه يمثل الحداثة الرجعية.»-مقالة أدونيس وهل هو من الضرورات الشعرية، جريدة الاتحاد،2022-
«..سنرى أنه ظل يمثل النسق الفحولي، ويعيد إنتاجه في شعره وفي مقولاته..وما تتضمنه من تعالي الذات ومطلقيتها،إلى إلغاء الآخر.» -النقد الثقافي،الغذامي-.
والفقرة الأخيرة من وصف الغذامي لخطاب أدونيس، تكشف لنا السبب المستتر لخلاف أدونيس مع الغذامي الذي يتجاوز ردة الفعل حوّل الوسم الثقافي الذي ابتكره الغذامي لأدونيس والذي أصبح بالنسبة له «رمزية هجاء» ومصدر الصراع بين المثقفين.
من يقرأ أدونيس، سيكتشف «الأنا المتضخمة» هذه الأنا التي ترسم له ظلاً عملاقاً يرى الآخرين في انعكاسه أقزاماً، وفكرة أن ينتقده «مفكر سعودي»، السعودية التي هي في مخيلة أدونيس-على الأقل في ذلك الوقت الذي أصدر الغذامي فيه الوسم الثقافي لأدونيس- هي مجرد صحراء وحقول بترول، فكيف يتجرأ ناقد من هذه الدولة على نقده هو ابن الحضارات العريقة تاريخياً وفكرياً، ويمس بقدسية ذاته التي هي ممثلة لتلك العراقة.
وهذه الفكرة هي حاصل «ثقافة المتن والهامش» التي سادت عقوداً بين مثقفي الدول العربية ومثقفي دول الخليج العربي.
أظن أن هذا هو المستتر الذي لا يظهر جلياً عند أدونيس في صراعه مع الغذامي.
وفي المقابل فإن أدونيس كان للغذامي مصدر استثمار لدراساته ليس بسبب خطابه الجدلي وهذا أمر حاصل بلاشك، بل لأنه مصدر شهرة لدراسات الغذامي، فاسم أدونيس في دراسات الغذامي «يزيدها بريقاً وإثارة وخاصة في حالة التعارض والتقاطع»، لذا يظل الغذامي متمسكاً «بالخطاب الأدونيسي» أي أن أدونيس بالنسبة للغذامي كما يقول: هو مثال على ظاهرة ثقافية «ليس مقصوداً بذاته، ولكن لا تعدو المسألة أن تكون استعانة بمثال، مثلما يستعين النحوي بزيد، وما كان المقصود بل الحالة الإعرابية، فأدونيس هنا، هو مثال على حالة، والمثال على الحالة لا يستقيم أمره إلا إذا كان اسماً مهماً.»-جريدة إيلاف الإلكترونية،حوار عبدالله السمطي مايو 2009-
لو قسنا نسبة الأرباح في علاقة الصراع الثقافي بين الغذامي وأدونيس سنكتشف أن الغذامي هو الرابح الأكبر في هكذا صراع لأنه استطاع بذكائه المعهود أن يحوّل أدونيس إلى مصدر جذب لدائرة ضوئه، في حين لم يكسب أدونيس فائدة تُذكر من هكذا صراع؛ لأن أدونيس ما يزال قيد فكرته «الثابت والمتحوّل»و تطبيقاته الفكرية ما تزال تدور في فلك جدلية هذه الثنائية، إضافة إلى أن فكرة القديس الثقافي الذي رسمها أدونيس لنفسه وخلقت الأنا المتعالية لخطابه وأعاقت قدرته على تجديد خطابه الفكري، وجعلته في الربع الأخيرة من دائرة الضوء، «أو هكذا أظن».
لكن الواقع هو: إن ما بين «الحداثي الرجعي» و«إمام المسجد» غاب اللقاء، من قال إن الاختلاف لا يُفسد للود قضية.