رضا إبراهيم
من المعلوم أن الكتابة اليدوية رمز شخصي، لذلك يمكن تحديد شخصية الفرد أو سماته، أو حتى المتغيّرات الوراثية التي تؤثّر على سلوكه، بمجرد إلقاء نظرة خاطفة على كتاباته، وتحليل الكتابة اليدوية يعتبر مفتاحاً للوصول إلى شخصية المرء وبنيته النفسية العامة، وفهمهما بشكل أفضل، ويمكن اعتبار ذلك أداة فعَّالة للتقييم الفوري للشخص من خلال توقيعه وكتابته، دون مقابلته أو محادثته فعلياً.
هذا وقد تحدث كثير من المؤرّخين عن خط اليد، حيث أكد ياقوت المستعصمي على أن الخط «هندسة روحانية ظهرت بآلة جسمانية، تقوى بالإدمان وتضعف بالترك». وقال إبراهيم بن محمد الشيباني (الخط لسان اليد وبهجة الضمير وسفير العقول وسلاح الفكر وأنس الإخوان عند الفرقة، ومحادثاتهم على بعد المسافة، ومستودع السر وديوان الأمور).
ويقول أبو العباس القلقشندي (الخط كالروح في الجسد فإذا كان الإنسان وسيماً حسن الهيئة كان في العيون أعظم، وفي النفوس أفهم، وإذا كان على ضد ذلك سئمته النفس ومجتهُ القلوب، فكذلك الخط إذا كان حسن الوصف مليح الرصف، مفتح العيون أملس المتون، كثير الائتلاف قليل الاختلاف، هشت إليه النفوس واشتهته الأرواح حتى إن الإنسان ليقرأه وإن كان فيه كلام دنيء، ومعنى رديء مستزيداً منه ولو كان كثر من غير سآمة تلحقه، وإذا كان الخط قبيحاً مجته الإفهام ولفظته العيون والأفكار وسئم قارئه، وإن كان فيه من الحكمة عجائبها ومن الألفاظ غرائبها).
وهناك مقولة تؤكد على أن الخط هو نتاج الفكر، وسراج الذكر ولسان البعد وحياة دارس العهد، وهناك علم كامل لتحليل الكتابة اليدوية لسمات الشخصية يسمى علم دراسة الخط (جرافولوجي) وذلك العلم كان موجوداً منذ أيام الفيلسوف أرسطو، وحالياً يتم استخدامه لمجموعة متنوعة من الأغراض بدءاً من التحقيقات الجنائية، وصولاً إلى فهم الصحة والقدرة البدنية، لدرجة أن بعض أصحاب العمل يستخدمون تحليل خط اليد لفحص الموظفين المحتملين، بهدف التوافق مع وظائفهم المتقدمين إليها، ومثلما تشير الدراسات النفسية إلى اختلاف العواطف والسلوكيات البشرية من شخص إلى آخر، كذلك الكتابة اليدوية البشرية تعتبر فريدة من نوعها، وهي مثل بصمات الأصابع تختلف من شخص إلى آخر، كما تحمل أهم المعلومات لاكتساب نظرة ثاقبة للحالة الجسدية والعقلية والعاطفية للكاتب.
وعلم الجرافولوجي أحد فروع علم النفس، وهو يدرس بالجامعات الأمريكية والأوروبية ويصفه الخبراء بأنه «بصمة العقل»، ويعرفه قاموس «كمبريدج» الإنجليزي بأنه دراسة طريقة كتابة الأفراد للأحرف والكلمات لاكتشاف أشياء تتعلق بشخصياتهم، كما يُعد تحليل الخط اليدوي علم له أصول وأسس علمية ثابتة، تهدف إلى تقييم وتحديد شخصية وهوية المرء، من خلال حركات القلم والتصميم الشكلي والأسلوب النمطي للكتابة اليدوية.
والجرافولوجي يوضح أدق وأصغر النبضات الكهربائية للألياف العصبية المتدفقة من الدماغ إلى أصابع اليد، مثل الأفكار والحركات والمشاعر، إذ إن العقل الباطن للشخص دوماً ما يملي على صاحبه الطريقة التي يكتب بها، وخير مثال على ذلك القول إن الانحناءات المتجهة للأعلى في الخط اليدوي تعبر عن العقل الباطن، في حين تمثّل الانحناءات المتجهة للأسفل المعلومات المأخوذة من العقل الواعي, ما يعني أن الخط اليدوي عبارة عن قراءة للجهاز العصبي وللمخ أيضاً، كما اعتبره بعض خبراء الخطوط بأنه (بصمة العقل).
ويعتبر العالم الغربي متقدماً جداً في هذا المجال، حيث يدرَّس هذا العلم في الجامعات والمعاهد العلمية المتخصصة بكثير من الدول مثل أمريكا (الجمعية الأمريكية لمحترفي الجرافولوجي) وفرنسا (جامعة السوربون) وألمانيا (معهد علم النفس التطبيقي في زيورخ) إضافة إلى بريطانيا وروسيا، كما تعتمد المؤسسات الأمنية في تلك الدول هذا النمط البحثي، واستخدامه أيضاً كأداة علمية للتوظيف وتطوير المهارات الشخصية بالشركات الكبرى، مثل سويسرا التي تستخدم (89) بالمائة من شركاتها العاملة ذلك الأسلوب عند اختيار الموظفين، وفي فرنسا تستخدم (85) بالمائة من الشركات الأسلوب نفسه، ونحو (79) بالمائة من الشركات في إنجلترا تأخذ نفس النهج.
وتجدر الإشارة إلى أن علم الجرافولوجي ظهرت ملامح بداياته في الصين قبل آلاف السنين، ثم انتقلت إلى أوروبا عبر اليونان، أما بداياته العلمية الحديثة فكانت بالقرن السابع عشر الميلادي عام 1622م وذلك على يد الدكتور الإيطالي كاميلوا بالدوا الذي يُعد من أوائل من كتبوا عن تحليل الشخصية من خلال الخط اليدوي, بعدها قام الألمان بالمنافسة على هذا العلم في القرن الثامن عشر، على يد الدكتور لودينق كلاجس من خلال إنشاء الجمعية الألمانية للجرافولوجي، وبالقرن التاسع عشر باتت فرنسا من الدول الرائدة في ذات المجال، بفضل جهود علمائها ومن أبرزهم الدكتور آبي فلاندرين ومجموعة من طلابه المتميزين.
ويرجع الفضل إلى الدكتور فلاندرين في إطلاق مصطلح جرافولوجي على هذا العلم, أما في بريطانيا فقد قام الإنجليز بإصدار أول دورية عن الخط والشخصية على يد العالم روبرت سودر مؤسس جمعية الجرافولوجي الأمريكية، ومن خلال العديد من التجارب أعطى الجرافولوجي مؤشرات علمية ودلائل قوية، أفادت في التوصل لنقاط الخطورة في شخصية الإنسان من خلال تحليلها، وعلى سبيل المثال قد يعبر جمال الخط عن شخصية منظمة محبة للجمال والدقة، لكن عدم انتظام الخط في المقابل، لا يدل بالضرورة على أن الشخص سيئ الخلق أو غير سوي, ولكنها تعطي مؤشراً على هوية الشخصية العامة.
وعن الخط الصغير، فهو يعطي مؤشراً على القابلية العالية للتركيز والاهتمام بالتفاصيل والتوجه نحو التفكير العلمي, حيث وجد أن معظم العلماء ومحبي العلم يكتبون عادة بخط صغير، لكن لا يمكن جعل مقياس صغر الخط مقياساً وحيداً لذكاء الفرد، فهناك كثير من العباقرة والموهوبون يكتبون بخطوط كبيرة جداً، وهم يختلفون عن العباقرة ذوي الخطوط الصغيرة في أنهم أكثر انفتاحاً على المجتمع وأكثر نشاطاً وحيوية، من أصحاب الخطوط الصغيرة، المنطوين على أنفسهم، ويتمتع الأفراد الذين يتركون فجوات كبيرة بين الكلمات بحريتهم ولا يبغون الازدحام، بينما الأشخاص الذين يكتبون كلمات قريبة من بعضها لا يمكنهم المكوث بمفردهم، وقد يكونون متطفلين أحياناً.
والملاحظ أن قواعد كلا الخطين «العربي والأجنبي» تتشارك في السمات العامة، وتختلف في سمات أخرى، لكن هناك قواعد أساسية تنطبق على كلا الخطين، مثل حجم الخط والضغط على القلم عند الكتابة, بجانب الهوامش وبُعد المسافات وميلان الخط، التي عادة ما تكون لها تحليلات ثابتة، لكن هناك جزئيات دقيقة في الأحرف نفسها، ففي داخل الخط العربي قد تختلف عن الخط الأجنبي أو تتشارك معه, وتعتمد القدرة على تحليل هذه الجزئيات الدقيقة على كفاءة المحلل وعلى مدى ثراء خبرته العلمية في تحليل الخطوط، وحتى يمكن ضمان دقة هذه التحليلات يجب الحصول على عدة عينات في فترات تتراوح ما بين (2 - 3) أسبوع.
ولوجود صفات ثابتة في الشخصية تظهر على الخط وهي سمات أصيلة فيه, هناك صفات تتغير عبر تأثير العوامل النفسية والاجتماعية المحيطة بالشخص ووفقاً للظروف التي قد يتعرض لها، حيث ثبت أيضاً أن ضغط القلم الشديد، يمكن أن يشير إلى الغضب والتوتر والغضب، لكن الضغط الشديد بشكل معتدل هو علامة على الالتزام، وضغط الخط الناعم قد يعني أن صاحبه شخص متعاطف وحساس، لكنه يفتقر أيضاً إلى النشاط والحيوية، ويعني ميل الخط إلى الناحية اليمنى، إلى أن صاحبه يحب مقابلة أشخاص جدد والعمل معهم، بينما ميل الخط إلى الناحية اليسرى يعني أن صاحبه يفضل البقاء مع نفسه وإلى التحفظ والاستبطان.
وتعتبر (مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع) المعروفة اختصاراً بـ (موهبة) والتي تهدف لاكتشاف ورعاية الموهوبين والمبدعين بالمجالات العلمية ذات الأولوية التنموية، أول مؤسسة علمية عربية اهتمت بدراسة الكتابة اليدوية لتقييم الشخصية، من خلال قيام المؤسسة عام 2006م بعقد مؤتمراً علمياً إقليمياً للإبداع والموهبة بمدينة «جدة»، حيث تمت المشاركة فيه بورقة عمل موسومة بـ(الكشف عن الموهبة والنبوغ والعبقرية من خلال الخط اليدوي) للباحثة السعودية ميرفت السجان المتخصصة في علم الجرافولوجي وعضو بجمعيات علمية أمريكية لمحللي الخط اليدوي للمحترفين، حيث تحدثت السجان عن ذلك العلم بقولها (علم مهم جداً ويتعدى الاكتفاء بتحليل الشخصية لمجرد المعرفة، ولكن بهدف التغيير، فتغيير الخط يؤدي إلى تغيير السلوك، ويفتح لصاحبه آفاقاً أرحب، وهو وسيلة مهمة جداً في تنمية وصقل المواهب وبالأخص لدى الأطفال).