نوف بنت عبدالله الحسين
لطالما حمل رمضان نكهة خاصة بكل أم، تبثُّ بروحانيتها دفئًا لا مثيل له على الأطباق الرمضانية، فما بين روائح الهيل والمستكة والقرنفل تطيب الأطباق، ولمل أم بصمتها ونكتهاتها الخاصة، وبسببها تعددت الثقافات الغذائية، فالمنكهات المدمجة بماء الورد والكادي والمستكة، تعيد صياغة وبرمجة الماء الذي لا طعم له ولا رائحة، وتعطي لشراب التوتو فخامة ورقي، ولف السمبوسة المثلثة المتطابقة الأضلاع والزوايا بمهارة احترافية تميّز الأمهات بحشوات إبداعية وخلطات مدهشة ما بين البهارات والمطيبات والأعشاب الخضراء واللحوم والخضراوات، وجبة متكاملة في مثلث واحد جمع كل القيم الغذائية والسعرات الحرارية والكثير من الحب، وتلاحق الأمهات عقارب الساعة وتسابقها، فإدارة الوقت التي تقوم بها الأمهات تدرّس، فشر دقائق هنا وربع ساعة هناك، وترتيب السفرة وتنسيق الصحون وتفاصيل كثيرة لا تفقعا إلا الأمهات، وفي المطبخ يحدث الكثير، فهو مسرح لنجوم متلألئة، ومساحتها الخاصة التي تكتشف فيه مهاراتها الإبداعية، ولا تحب المتطفلين الذين يكشفون عن الأطباق ويحاولون كشف خلطاتها السرية، لكن هيهات، فكل أم تحتفظ بسر خاص لا تبوحه لأحد، اسألوني أنا فلدى أمي أسرار كثيرة لا تبوح بها لأحد، والمحظوظ هو من استطاع قنص أحد الأسرار هلى حين غفلة! أما أسراري فبسيطة، أسربها لبناتي إن وجدت عندهن رغبة في استخدام سر نكهة ورثتها عن حب أمي التي تحتفظ بأسرارها لتنثرها في أطباقها تعبيرًا عن حبها، أما أم زوجي فلا يمكن لأحد أن ينافس أطباقها عند زوجي وخصوصًا الفول الذي تقدمه، فمهما حاولت أن أتعلّمه، لن يكون بالنكهة نفسها، وهنا استسلمت منذ زمن بعيد، وصرت مثله إن سنحت لي الفرصة أن أتذوّق أطباقها اللذيذة وأفرح بجزالتها وحبها.
الأم لا تقدم أطباقًا فقط، بل تقدّم دعوات صادقة بالبركة، وتقدّم درسًا في الوصال، وتقدّم سلامًا لأفراد الأسرة، وتقدّم ابتسامة في وجه أبنائها، الأمهات يصنعن أجواء رمضان بروائح العود والمسك، وبإيجاد مساحة مليئة بالروحانية والطمأنينة في البيوت، وبها تزدان البيوت.
فإن تعبَت، وإن أُنهِكت، لكنها تقدّم ذلك بكل امتنان لوجود أبنائها حولها، صائمين ملتمّين ينتظرون أذان المؤذن، ويستمعون لدعواتها وتسابيحها، فاذكروا أمهاتكم في دعواتكم.